للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تدانى.

لا جرم أن الجاحظ كان أسبق إلى وصف ذلك، ولكنه أجمل وأوجز؛ أما الوشاء فلم يتعد ما قاله الجاحظ إلا قليلاً ولكنه شرح وفصل

والمهم في وصف عشق القيان أن الكاتبين أبانا فيه عن عواطف كامنات، وحيل مكنونات، وطرق مغريات، حتى تشعر وأنت تقرأ أنك اليوم بين يدي غانية من غواني الحانات اللواتي تخرجن في الفتنة والإغواء

فقد قرروا أن القينة لا تكاد تخلص في عشقها، أو تناصح في ودها، لأنها مجبولة على نصب الحبالات والشراك للمتربطين ليقعوا في أنشوطتها. ذلك لأن حبهن كلهن كذوب، وعشقهن متبدل غير ثابت. فهو لطمع وغرض، ولذا كن يقصدن أهل النشب واليسار، ويصدفن عن ذوي الإقتار.

وكان من عادة القينة إذا رأت في مجلس فتى له غنى وكثرة مال وحسن حال، أن تميل إليه لتخدعه؛ فتمنحه بادئ بدء نظرها، وغمزته بطرفها، وأشارت إليه بكفها، وداعبته بالتبسم، وغازلته بأشعار الغناء، فغنت على كاساته، ومالت إلى مرضاته، ثم تظهر الشوق إلى طول مكثه، والميل إلى سرعة عوده؛ حتى توقع المسكين في حبالها، وتعلق قلبه بحبها، وتطعمه في قربها ثم تحزن لزواجه، وتبكي لفراقه، وتكاتبه تشكو إليه هواها، وتقسم له إنه ضميرها في ليلها ونهارها، وأنها لا تريد سواه، ولا تؤثر أحداً على هواه، ولا تنوي انحرافاً عنه؛ ثم تعزز ذلك بالرسل، وتخبره عن سهرها، وتنبئه عن فكرها، وتشكو إليها القلق، وتخبره بالأرق، وتبعث إليه بخاتمها وفضلة من شعرها، وقلامة من ظفرها، وقطعة من مسواكها، ولبان قد جعلته عوضا من قبلتها، وكتاب قد نمقته بظرفها، ونقطت عليه قطرات من دمعها، وضمنته الشوق والشكوى، وسألته المواتاة على حبها. . . وربما منحته من ريحانها، وأهدت إليه في النيروز سكراً وفي المهرجان خاتماً، وأخبرته إنها لا تمل الدموع إذا غاب، ولا ذكرته إلا تنغصت، ولا هتفت باسمه إلا ارتاعت. . . فلا يشك المسكين في إخلاص حبها، فيميل إليها بوده. . . حتى إذا رأت إنها حوت عقله، وصارت شغله، واستمالت لبه، وسلبت قلبه، وعلمت أنه غريق في بحر حبها. . . أخذت في طلب الهدايا، فتشهت الثياب والأزر والأردية والعمائم والتكك والخفاف. والعصائب المرصعة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>