للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حواء، وبفضل شبابه وصياله ذاقت أفاويق الضلال

والذي ينتظر أن تهدأ المرأة وأمام عينيها رجل، شبيه بالذي ينتظر أن تهدأ النار وقد ألقمت أكداس الحلفاء. . . لقد كان آدم يطرد حواء ثم تعود إليه لتأنس بضربه الوجيع، كما ترجع الفراشة إلى أقباس اللهيب

المرأة تدرك ما في الرجل من المعاني، ولو كان من الخاملين، فكيف تصد عنه وهو من الأنبياء؟

كانت حواء سمعت أن الله لم يخلق آدم إلا بعد أن دار بينه وبين الملائكة حوار طريف، فكيف يفوتها أن تنتفع بشهرته، وهي تعرف أن الهرة مغنم عظيم، وإن اعتمدت على أضاليل وأباطيل؟

وهل تقوم الشهرة بلا أصل؟

إن آدم رجل، والرجولة من أعظم الأرزاق، فما زهدها فيه وهو من أمثلة العزة والجبروت؟ وهل تنسى أنه صرعها فوق شط الكوثر ألوف المرات؟

القوة هي سحر آدم، والضعف هو سر حواء، والوجود يقوم على أسس كثيرة ولكنها ترجع إلى أساسين هما القوة والضعف؛ والعشق العارم لا يقع إلا بين عاشقين مختلفين في العرض والطول، والدمامة والجمال، والقسوة واللين

ومع هذا كان آدم هو البادئ بإعلان شوقه إلى حواء، وكانت حواء تنكر شوقها إليه. وتفسير ذلك سهل: فأسرع الناس إلى الاعتراف بالحق هم الأقوياء

ويزعم شيت بن عربانوس أن آدم قال وهو يحاور تلك اللعوب:

أما والله لو تجدين وجدي ... لطِرت إليَّ خالعة العذار

وقد فات آدم ان حواء ضعيفة، والضعف يتسلح بالرياء

والقول الفصل أن آدم قد انتهى إلى حقيقة لا تحتاج إلى برهان، وهي صدور الأهواء عن الأجساد قبل صدورها عن الأرواح، لأن الجسد أداة الروح، ولأنه يحفظ قواها كما تحفظ الكأس سر الرحيق

ثم ماذا؟ ثم التفت آدم إلى وحي النبوة فقال:

(لم أكن أدرك تكاليف النبوة حين أراد الله أن أكون من الأنبياء، فقد فهمت أول الأمر أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>