للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأيام، فكان مولده كشروق الشمس في الأفق من بين الظلمات، تجلب معها النور والخير والبركات والقوة والشباب؛ وإذ مضى عام على ولادة ذلك الطفل وحلت ليلة القدر، قام واقفاً على قدميه، وبدأ لسانه يثرثر بما وعاه من كلمات، فعهد والده بتربيته إلى (بُزُر جُمِيد) الحكيم، وفي رعايته نما ذلك الطفل إلى أن صار شاباً كامل التربية تام التهذيب، وأميراً شجاعاً وبطلاً صنديداً؛ وامتلأ قلب (هرمزد) بالسرور والشكر لله جلت قدرته، الذي وهبه هذا الوريث الشهم السامي الأخلاق، واعتزم أن يحكم المملكة التي سيرثها مثل هذا الابن بعدالة أكثر من ذي قبل، ورسم بعقاب أيما رجل تعدى على أملاك آخر، وقطع أذن وذنب أيما فرس دخل أرضاً مزروعة فأضرّ بها، وصلب من سرق شيئاً

وذات يوم جلس هرمزد في مجلس العدل يحكم بين الناس فدخل إليه بعض القرويين بمظلمة، يشكون من ولده الأمير خسرو أنه حل الليلة الماضية في بيت أحدهم عند مروره بقريتهم أثناء رجوعه من إحدى رحلات الصيد العديدة، التي اعتاد الأمير الشاب أن يقوم بها. ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل إن خسرو أمضى ليلته بأكملها في ذلك البيت، ومعه جماعة من أقرانه وأصحابه يتناولون الجام من المدام بعد الجام، وهم يستمعون إلى نغمات مطرب الأمير، وقد اندفع هو في الغناء فاندفعوا هم في الشرب وأكثروا حتى ثملوا. وما كان هذا كل ما اقترفه الأمير من ذنوب، بل إن فرساً من مراكبه الخاصة جفل من مربطه وانطلق يلهو في حقل رجل فقير فداس شيئاً من الزرع وأضر به. ثم إن أحد أصحاب الأمير رأى عناقيد من الحصرم متهدلة من بعض الكروم في حديقة، فأمر غلاماً من عبيد الأمير بأن يقطع منها عدة ويحملها إليه ففعل. فثار الملك من سخطه على سلوك ابنه الأمير وأمر بالفرس فأعطى لصاحب الحقل الفقير؛ وبالغلام فوهب لمالك حديقة الكروم؛ وبأسلحة الأمير وشاراته، فمنحت لسكان البيت حيث قضى ليلته. وكاد الملك أن يخرق ابنه لولا شفاعة بعض أكابر المملكة، فعفا عنه بعد أن اعترف الأمير بسوء فعلته وفي (الشكل ١) نرى الأمير الشاب خسرو برويز وهو راكع أمام والده الملك هرمزد الجالس على العرش يسلمه أسلحته عقاباً له لمخالفته ما رسم به والده، ووقف على الجانبين بعض كبار المملكة يستعطفون الملك هرمزد ليعفو عن ولده خسرو. وسحن الأشخاص هنا اصطلاحية. وهذه الصورة في مخطوط للمنظومات الخمس للشاعر نظامي الكنجوي. كتبه درويش عبد الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>