للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معنى ذلك أنه شاعر العالم غير منازع، لان المزية كما يعلم الأديب لا تقتضي الأفضلية، وربما عجز أناس أن يجاروه في مزيته ويسبقوه في مزية أخرى أو جملة مزايا لا تقل في شأنها عما تفرد به وتقدم فيه.

وإذا اعترض معترض على رجحان ابن الرومي في مزية التصوير الفني فسبيله إلى الاعتراض أن يذكر شاعراً آخر له حسنات في هذا الباب أفضل من حسنات ابن الرومي وأدل على الملكة الفنية، وليس سبيله أن يذكر الرديء أو المختلف عليه من كلام ابن الرومي المنسوب إليه.

كذلك لم أقل إن شعر ابن الرومي (ليس فيه مغمز لغامز) لأن العلو في الإجادة لن يمنع الإسفاف في الرداءة، وابن الرومي نفسه يعلم هذا ويعتذر لرديئه بأبياته المشهورة التي يقول فيها:

قولا لمن عاب شعر مادحه ... أما ترى كيف رُكّب الشجر؟

ركب فيه اللحاء والخشب اليا ... بس والشوك دونه الثمر

وكان أولى بان يهذب ما يخ ... لق رب الأرباب لا البشر

وهي الأبيات التي افتتحت بها كلامي عن صناعة ابن الرومي في الكتاب المطول الذي كتبته عنه، لعلمي انه يقول الرديء كما يقول الحسن، وأن المغمز في كلامه لمن شاء غير قليل.

وبعد فمن هو الشاعر الذي يقال فيه أنه شاعر العالم أو أنه الشاعر العالمي إذا كان الإتيان ببيتين من شعر الرديء - على تسليم رداءته - حائلاً بينه وبين التفرد بمزية عالمية؟

من هو الشاعر الذي لا يؤتى له ببيتين بل قصيدتين يمغمزهما الغامز متى شاء؟

فليست الطريقة التي آثرها الأديب (ابن درويش) بطريقة الاعتراض المأثورة فيما أرى، وإنما الطريقة السوية أن نستنفد المحاسن حتى لا نبقي فيها بقية، وأن نقرن بينها وبين محاسن من قبيلها تفوقها وتربى عليها. . . أما ذكر بيتين أو قصيدتين لشاعر من كبار الشعراء فلا يغير الحكم عليه بالغاً ما بلغ الرأي في استهجان البيتين أو القصيدتين.

على أنني لا أذكر أنني قرأت البيتين في ديوان ابن الرومي، ولا أراهما مما يعاب سواء نسبا إليه أو إلى غيره، ولا أعدهما من أبيات الوصف لأنهما أشبه بأبيات التخلص التي

<<  <  ج:
ص:  >  >>