للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[محاكمة (آدم) و (حواء)]

في جلسة سرية

للدكتور زكي مبارك

بين المحسوس والمعقول

سنجد في حديث اليوم أن الله ظهر (لآدم) و (حواء) بصورة حسية، وذلك يخالف العقيدة الإسلامية، فكيف نقبل تلك الصورة مع تنزيه الله عن أن تراه الأبصار؟

الحل سهل: فنحن نلخّص كتاب شيث بن عربانوس، وهو كتاب وُضعتْ أصوله في عهود فِطرية لا تُدرك المعقولات إلا عن طريق المحسوسات فهي لا تتمثل الله إلا بصورة حسية تراها العيون.

وما وقع في كتاب (شيث) وقع مثله في النسخة الموجودة بين أيدي الناس من (التوراة)، فعبارة التوراة صريحة في أن الله ظهر لآدم، وأن آدم وامرأته اختفيا بين أشجار الجنة حياءً من ملاقاة الله وجهاً لوجه بعد العصيان.

وعلى فرض أن التوراة الموجودة بين أيدي الناس هي التوراة الحقيقية وأنها لم تصب بتحريف ولا تبديل، فمن الممكن أن نرجع نصوصها إلى الاستعارة التمثيلية، كما صنع المفسرون حين وجدوا في القرآن ألفاظاً لا تساير الروح الإسلامي إلا بعد التأويل.

والواقع أن الإنسانية في عهودها الفِطرية جسَّمت جميع المعاني، فقد جعلت لله وجها ويدَيْن، وصورته بألوان لا نرضاها اليوم، بعد أن ارتقت العقول فصار من السهل أن تؤمن بأن الله ليس كمثله شيء، وأنه فوق ما تتصور الأوهام والظنون.

وما سُقنا هذا التمهيد لقراء (الرسالة) وهم من الخواص، وإنما أردنا أن نحرر الموقف تحريراً يرفع من طريقنا جميع العقبات لنصل إلى الغرض بسلام وأمان.

الجلسة السرية

أنزعج فريق من الذين حضروا الجلسة حين طلب آدم أن يحاكم في (جلسة سرية)، وأخذ منهم الغيظ كل مأخذ حين أجابه الله إلى ما طلب، فقد كانوا يشتهون أن يشبعوا ما انطوت عليه جوانحهم من شهوات الفُضول، وكانوا يتوقون إلى معرفة ما سيدافع به آدم عن نفسه

<<  <  ج:
ص:  >  >>