للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصباح باسماً!. . . آه!. . .

كم أبغض أولئك الذين يستعيدون ابتسامهم!!!

هل يأتي يوم استعيد فيه أنا أيضاً ابتسامي؟. . . وأنسى؟. . . أن ذكرى شبابي لا تكاد تفارقني: إني لأرى نفسي وقد اجتزت الغابة إلى جانبها. . . كان لابد لي أن أكون سعيداً جداً، وقد كنت بالفعل سعيداً جداً. . . ولكن هنالك لحظات تلتهم في أحشائها كل شيء، تلتهم المستقبل والماضي لأنهما الخلود نفسه!

لم اكن قط من أولئك المتنزهين الهادئين الذين يعبرون الطريق، ويتوغلون في الحقول، ويتمددون بلطف في ظلال الدوح، ليستروحوا النسمات البليلة التي ينعشهم بها صباح منوّر كلا! لم أكن من هؤلاء، وإنما كنت أتسلّق الأشجار، لاستكشف آفاقاً أوسع، وكنت أشاهد الطريق إذ ذلك تتوارى في السهول البعيدة، حيث يحتضر الربيع. . .

في هذه الغرفة، وإزاء هذه النافذة ذاتها، التصقت بي ذات يوم، أخذت تعانقني وتقبلني. . . رعشة باردة هزتني. . . الدقائق، الساعات، الأيام، السنون، كل ذلك طفق يهرب مسرعاً، مسرعاً. . . انتهى عهدنا، دب إلينا الهرم. . . أدركتنا النهاية. . . مثل هذه الأفكار كنت ادنِّس حبنا، باعترافي بقابليته للزوال والفناء، وهكذا كنت ادنِّس ألمي الآن، بتفكيري بأنه قد يأتي يوم استعيد فيه ابتسامي!

ولكن من هو هذا الرجل، ذو الشعور والنظرات الكئيبة؟ ومن يبكي؟. . . انه ليزور كل يوم ضريحاً بجوار ضريح امرأتي. . . وانه ليلفت أنظاري إليه، لأني لم استطع أن أبغضه كالآخرين. . . إنه يأتي كل يوم قبلي، ولا يفارق موقفه حتى بعد ذهابي. . . وقد اكن من الممكن إلا اشعر بوجوده لو لم ألمحه ذات يوم يرمقني بحنان زائد، اربكني وأزعجني. . . فتفرست في وجهه، ولكنه حوله عني شيئاً فشيئاً، ثم راح يبتعد وهو محاذ للجدار. . . من المرجح أنني عرفته قبل اليوم. . . إن وجهه ليس غريباً عني. . .

أين رايته إذن؟. . . في سفر؟. . . في مسرح من المسارح أو شارع من الشوارع؟. . . يخيل إلي انه يشعر بحزني بصورة غريزية. ولعل حزناً كحزني يمضه. . . هذا الافتراض يفسر نظراته التي لا أجد إلى نسيانها من سبيل. . . انه شاب وجميل!

ها قد جلست مرة أخرى إلى منضدتي، أزهار ذابلة تكتنف رسم المرأة التي كانت قرينتي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>