للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلم مزيف كاذب خير منه الجهل الصريح؛ وفقر في وسائل كسب العيش من طرقه الشريفة، هو أحد المظاهر في فقدان الرجولة. لم يثبت لنا - ولا حكم للنادر - أثر نافع في باب من أبواب الجد، ولم نستطع أن نحرر مما غرسوا في أفكارنا فأكثرنا مقلدون ببغاوات.

فإن رأيتمونا بعد هذا - والعالم من حولنا يجدّ - أحلاس الملاهي والمقامر والحانات، مبددين فيها دم الشعب وثروته، نصف نهارنا ومعظم ليلنا، حاملين لأنظاركم أخنث الهيئات و (أميع الموضات) من تلميع وجوهنا وأحذيتنا وتصفيف شعورنا حتى إطالة أظافرنا. . . إن رأيتمونا كذلك فاغفروا لنا هذه الإضاعة وهذا الانتحار، فلعلنا ضحايا خطط خفية محكمة

لا تمقتونا على إهانة الخلق وتبديد الثروة وقتل الوقت ووأد الكرامة والرجولة، فما ينتظرنا من مقت الله والوطن أكبر من مقتكم.

لا تقلدونا، فإنكم مخلوقون لزمان غير زماننا، لزمان صعب كله جد، لا مكان فيه لغير المجدين العاملين. . . وما كان زماننا لعباً، ولكنا طبعنا على غرار واحد: أن نكون أطفالاً كباراً عالة في كل شيء، لا نهتف إلا بما يوحي إلينا، معطلين عقولنا وضمائرنا، أبواق دعايات نموهها بالعلم أحياناً، وبالنهوض بالوطن والدين أحياناً، ثم نروغ إلى حيث نؤدي الحساب ونأخذ الأجر ونتلقى التعليمات لنعيد تمثيل الدور كرة أخرى

منا الذين ورثوا الثروات الطائلة، ولم يكن آباؤهم قد أخذوهم بتثقيف ولا تهذيب اعتماداً على غناهم، فلما آلت إليهم الثروة كانوا على جهل تام بطرق تنميتها وحفظها فوكلوا أمر تدبيرها إلى مرتزقين خانوهم، وانصرفوا إلى حاناتهم ومقامرهم ومحال رذائلهم فما زالوا بها حتى خرجوا عن آخر قرش منها؛ وألحت الرذيلة، ولم يكن بدٌ من كسبٍ ما بعد أن ركبتهم الديون، وكان هناك من يحتاج إلى أسماء أسرهم الفخمة فباعوه ضمائرهم ومصالح وطنهم وكانوا شر قدوة لمن دونهم

ومنا الذين آلت إليهم الضياع الواسعة والقرى الغنية، فأنفوا المكوث فيها ومباشرة الأعمال الزراعية، والزراعة لا تدر خيرها إلا على من يمنحها جهوده كلها، وهؤلاء استكبروا أن يكونوا (فلاحين) كآبائهم وأرادوا أن يعيشوا (بكوات) فما زالت زراعتهم تخسر حتى رهنوا القرى والضياع في مصارف أجنبية، تخلق بيدها الرهن، ثم صاروا إلى مآل أرباب

<<  <  ج:
ص:  >  >>