للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحديثة، فالمدنية الإسلامية كانت مجلية في هذا الميدان، فلم يقصر علماؤها كبني شاكر محمد واحمد والحسن، وأبي الريحان البيروتي وغيرهم في القيام بالتجارب العلمية الكثيرة وتقليبها على وجوهها، ولم تعوز تجاربهم تلك دقة الملاحظة لشروط الحادث الطبيعي وظروفه والعوامل المؤثرة في تغييره ولم يفتهم إحكام القياس وجودة الاستنباط.

وهانذا ناقبل تجربة لأبي الريحان البيروني في رسوب الأجسام وطفوها على وجه الماء، تلك التجربة المؤدية إلى فكرة كثافة الأجسام وهي تطبيق للقانون المشهور الآن باسم قانون أرخميدس، والتجربة بعينها يجرونها اليوم في مخابر التعليم من غير تغيير يذكر.

ولعل القارئ يعجب إذا قلت له أن هذه التجربة يجدها مذكورة في أحد كتب التوحيد وهو شرح المقاصد لسعد الدين النفتازاني، ولكن سرعان ما يزول بعض تعجبه إذا عرف أن كتب التوحيد كانت مبنية على الفلسفة، والفلسفة بمفهومها القديم تشمل جميع أنواع العلوم، فكانوا يقسمونها إلى ثلاثة أقسام، الفلسفة الدنيا وهي الطبيعيات، والفلسفة الوسطى وهي الرياضيات، والفلسفة العيا وهي الآلهيات، فمباحث التوحيد مؤسسة على هذه الأقسام الثلاثة للفلسفة، ولهذا فان كثيراً من الأبحاث الطبيعية منبثة في كتب التوحيد، وموضوع هذه التجربة من جملة تلك المباحث المشردة في تضاعيف تلك الكتب.

قال التفتازاني في آخر الجزء الأول من كتابه المذكور: (. . وبحسب تفاوتها - يعني الأجسام - في الخفة والثقل. . تتفاوت فيما يتبع ذلك من الحجم والحيز والطفو على الماء والرسوب فيه، ومن اختلاف أوزانها في الماء بعد التساوي في الهواء، مثلا: حجم الأخف (أي الأقل كثافة) يكون أعظم من حجم الأثقل (أي الاكثف) مع التساوي في الوزن كمئة مثقال من الفضة ومئة مثقال من الذهب، (والفضة كما نعلم أقل كثافة من الذهب). (وإذا كان في إحدى كفتي الميزان مئة مثقال من الحجر وفي الأخرى مئة مثقال من الذهب أو الفضة أو غيرهما من الأجسام التي جوهرها أثقل من جوهر الحجر (أي أكثف منه) فلا محالة يقوم الميزان مستوياً في الهواء، وإذا أرسلنا الكفتين في الماء لم يبق الاستواء، بل يميل العمود إلى جانب الجوهر الاثقل، وكلما كان من جوهر أثقل (أي أكثف) كان الميل أكثر، ويفتقر الاستواء إلى زيادة في الحجر حسب زيادة الثقل مع أن وزن الجوهر ليس إلا مئة مثقال مثلاً) (وقد حاول أبو ريحان تعيين مقدار تفاوت ما بين الفلزات وبعض الأحجار

<<  <  ج:
ص:  >  >>