للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى لقي ذات مساء عبدها الذي كان يرعى عليها رائحاً بالقطيع إلى مزاحه، فجعله رسالة إليها يطلب فيها أن توافيه على الكثيب متى غفت العين وهدأت القدم، فوافته في إحدى أترابها، فجلسا على الحصباء يتشاكيان حرقة الجوى وتحكم الهوى وتعقب الرقيب، وأخذت روضة تحكي لوضاح كيف استفاض الخبر وخاض فيه الناس، وكيف حجبها أخوتها وراقبوها بعين لا تغفل، وذكرت له والدمع يتقاطر من عينيها أنهم صمموا على رفض خطبته ومنع تزويجه، وقرروا تزويجها من موسر كثيف الظل جافي الخلقة، وحذرته أن يدنو من الحي فان قومها يأتمرون به.

غلى جوف وضاح وعصفت في رأسه الحمية، ونزت بقلبه الصبابة، وعقد نيته على معالجة الأمر بالحزم، ومواجهة الخطر بالصراحة، وقرر زيارتها في دارها بعد هذا الحوار البديع الذي خلده وضاح في هذه القصيدة:

قالت: ألا لا تلجن دارنا ... إن أبانا رجل غائر

قلت: فإني طالب غرة ... منه وسيفي صارم باتر

قالت: فان القصر من دوننا ... قلت: فإني فوقه ظاهر

قالت: فان البحر من دوننا ... قلت: فإني سابح ماهر

قالت: فحولي اخوة سبعة ... قلت فإني غالب قاهر

قالت: فليث رابض دوننا ... قلت فإني أسد عاقر

قالت: فان الله من فوقنا=قلت فربي راحم غافر

قالت: لقد أعييتنا حجة ... فأت إذا ما هجع السامر

واسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر

وفي الليلة التالية كان وضاح في طريقة إلى الخصيب، وكان أخوة روضة وعمومتها يرصدون سبيله ويطلبون لقاءه، بعد أن عملوا من الرقيب اجتماع الكثيب، وكانت الحبيبة على علم بخروج القوم وقدوم المحب المخاطر فطرقت مضعجها الهموم، وتخالجت قلبها الوساوس، وأخذها عليه المقيم المعقد.

لم يطل انتظار الجماعة للفرد فتلاقوا وراء الوادي: ثم كان عتاب على الأشعار الجارحة، وسباب على الشهرة الفاضحة؛ وقتال انتهى بطعنة تلقاها المحب في موضع حبه. ثم خلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>