للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لنزهة جميلة تخترق غابة النخيل في طريق أسمه (طريق أبي الخصيب) وهو طريق كثير الاعوجاج بلا موجب معقول، فلما سألت معاليه عن سبب ذلك الاعوجاج ابتسم وقال: (كان المهندس الذي شق هذا الطريق يحب المال بعض الحب، فاعوج الطريق بعض الاعوجاج!!) فأدركت أن أصحاب الأملاك كانوا أصحاب الرأي في تخطيط ذلك الطريق.

وفي السنة التالية زرت الدير المحرَّق فرأيت في الذهاب إليه طريقاً كثير الاعوجاج بلا موجب معقول، فلما سألت عن سبب ذلك الاعوجاج كان الجواب أن المهندس الذي شق الطريق عُرف بشراهة الجيب فكان يراعي خواطر أصحاب الأملاك.

فليحذر من يشق طريقاً معوَّجاً في أي بقعة بعد اليوم، فقد يُتَهم بأنه من سلالة المهندس الذي شق طريق الدير المحرَّق، أو المهندس الذي شق طريق أبي الخصيب.

النور القدير على تمزيق الظلمات

هو نور الله، النور الغَّلاب القَّهار الذي لا يصده حجاب، ولو كان في كثافة أنفس المحجوبين عن كرم واجب الوجود.

وما تمر بنا لحظة من لحظات الكدر أو الغيظ إلا كانت شاهداً على أن إيماننا بالله إيمانٌ مدخول.

ولا تمر بنا لمحة نعتمد فيها على هذا المخلوق أو ذاك إلا كانت بعض دليلاً على أن ثقتنا بالله مزعزعة الأركان.

فما بالُ قومٍ تطير نفوسهم شَعاعاً حين يهدَّدون بغضب بعض الخلائق؟ وما بال قوم لا يستطيبون النوم إلا حين يطمئنون إلى أنهم تحت حماية بعض الخلائق؟

لا يجوز لمن يخاف الناس أن يرجو الله، فإنه عز شأنه لا يسبغ نعمته الصحيحة إلا على المؤمنين، والمؤمن لا يخاف الفانين.

وماذا يملك بنو آدم حتى يرجوهم من يرجو، أو يخافهم من يخاف؟

الأمر كله لله، ولا أمر لمخلوق، وإن زيّن الوهم للمخاليق أنهم أقوياء.

جرْب الثقة بالله، إن كنت لم تجرِّبها من قبل، فسترى أن الأنس بالله يرفع عنك آصار الثقة بالناس، وما أعتمد أحدٌ على خلق الله إلا باء بالخذلان.

كن رجلاً مؤمناً في جميع أحوالك، والرجل المؤمن ينظر إلى الناس كما ينظر الأسد إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>