للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه يكون فيه صلاح لنا ولكم)

فبعث عمر عشرة نفر جعل عليهم عبادة بن الصامت، وأمره ألا يجيب المقوقس إلى شيء غير هذه الخصال الثلاثة سالفة الذكر

وكان عبادة أسود طويلاً موغلاً في السواد والطول، فلما دخل على المقوقس هابه هذا وسأل النفر العرب الذين جاءوا معه أن ينحوه عنه ويقدموا غيره للكلام. فقالوا جميعاً إن عبادة أفضلهم رأياً وعلماً، وإن أميرهم قد أمره عليهم فهم لا يخالفونه في رأي أو قول. فدهش المقوقس وأظهر لهم عجبه من أن يفضلهم رجل أسود. فأجابوه بأن السواد لا ينكر فيهم، وأنه لا يضع لصاحبه رفعة هو قَمن بها أو يغمط له حقاً هو جدير به

فقال المقوقس لعبادة: (تقدم يا أسود وكلمني برفق، فإنني أهاب سوادك وإن اشتد كلامك علي ازددت لك هيبة). فتقدم إليه عبادة فقال: (قد سمعت مقالتك، وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل كلهم مثلي وأشد سواداً منى وأفظع منظراً، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم مني. وأنا قد وليت وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعاً، وكذلك أصحابي، وذلك إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في الدنيا ولا حاجة للاستكثار منها، إلا أن الله عز وجل قد أحل ذلك لنا وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً. وما يبالي أحدنا أكان له قناطير من ذهب أم كان لا يملك إلا درهما؛ لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يأكلها يسد بها جوعته ليلته ونهاره، وشملة يلتحفها؛ وإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله تعالى. . . لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاءها ليس برخاء، إنما النعيم والرخاء في الآخرة، بذلك أمرنا الله وامرنا به نبينا وعهد إلينا ألا تكون همة أحدنا في الدنيا إلا ما يمسك جوعته ويستر عورته، وتكون همته وشغله في رضاء ربه وجهاد عدوه)

فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله: (هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط؟ لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض، وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها). ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فأقره على ما وصف به نفسه وأصحابه، ثم حاول أن يخوفه ويصرفه عن الهدف الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>