للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من عجائب الناس]

لعل ابن آدم هو المخلوق الوحيد الذي يرى الشيء الواحد بعينيه

الاثنتين أبيض تارة وأسود أخرى على حسب الصبغ الذي يلونه به

الهوى؛ فقد يتحد الشيء في ذاته وصفاته، ولكنه يختلف وا عجباه في

نظره أو في رأيه، فيكون حسناً وقبيحاً، أو خيراً وشراً، أو حلالاً

وحراماً، أو نافعاً وضاراً، لا باعتبار حقيقته في نفسه، ولكن، باعتبار

ما تقتضيه الحاجة أو الأثرة أو الرياء أو المحاباة. وبفضل هذه الميزة

العجيبة في الإنسان تعددت مقاييسه، وتضاربت أهواؤه، وتناقضت

أحكامه، وتباينت عقائده، وتفرقت سبله

ذلك كلام لا نكير فيه ولا لبس فلا أحلل ولا أعلل، وبحسبي أن أدع الحوادث تحدث والأمثلة تمثل

أذاع راديو (باري) منذ ليلتين أن فريقاً من الطلاب الهنود تظاهروا في بمباي فاعترضتهم فئة من الشرط الإنجليز فتفرقوا في شوارع المدنية أباديد بعد أن نفر منهم بجروح. ثم عقب المذيع على هذا الخبر بأن الاعتداء على المتظاهرين بالضرب ينافي المدنية، ويجافي الخلق، ويصم الذين ارتكبوه بالقسوة والوحشية والبربرية الأثيمة. وفي هذه الإذاعة نفسها أعلن هذا المذيع نفسه أن مليوناً من جنود المحور قد اقتحموا بالدبابات الثقيلة والطائرات المنقضة والسيارات المدرعة منازل (ستالينجراد) على الروس وفيهم النساء والأطفال والشيوخ والمرضى، فدكوا كل بناء، وسحقوا كل حي، وركموا أشلاء القتلى في الحجرات والطرقات على صورة لم يرها الراءون ولم يروها الراوون. ثم أخذ هذا البوق البشرى يهذي بفضل هذا النصر على المدنية، وينوه بعظيم أثره غي مستقبل الإنسانية!

كان لكاتب من كبار المصلحين حصة مأكولة في وقف أهلي، فظل يكتب وجوب حل هذا النوع من الوقف حتى نضب مداده، ويخطب في جشع النظارة وإهمال الوزارة حتى جف ريقه. وتداول الناس مما كتب وخطب جملة من البراهين الملزمة والنصوص الصريحة والوقائع الثابتة لا تدع لوجود الوقف الأهلي مبررا ولا للدفاع عنه حجة. فما هو إلا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>