للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المنتحرة]

الدكتور محمد حسني ولاية

كانت في الخمسين من العمر عندما انتحرت بإحراق نفسها في آخر نوبة من نوبات الملانخوليا ولما كانت هذه النوبة خفيفة، فقد تمكنت بالإرادة الباقية لديها من وضع حد لحياتها. على أنها حاولت في إحدى النوبات المتوسطة في الشدة من أن تحنق نفسها بلف شعرها حول عنقها

بدأت حياتها في ظل عيش رغيد، وتولدت لديها نزعات ذكرية بعد أن أنجبت أمها عدة أطفال ذكور. ولما كانت العناية التي كانت موجهة إليها قد انتقلت إلى اخوتها، فقد نشأت عندها الرغبة في تحديهم وتحدي الذكورة بوجه عام. ومن مظاهر هذا التحدي أنها عندما بلغت العاشرة من عمرها كانت تقلد الذكور بإطارة طائرات مصنوعة من الورق الملون والبوص، وكثيراً ما كانت تصيد طائرات الأطفال بطائراتها التي كانت تعني بصناعتها أكبر عناية

وفي نحو العشرين من سنها تزوجت، ثم أنجبت من زوجها عدة أطفال، ولكن زواجها لم يكن موفقاً، لا لسبب سوى أنها كانت تنشد السيطرة وتشعر بغضاضة لقيامها بدور امرأة.

وقد انتهى أمرها إلى أن أحبت امرأة أخرى، فكانت تدللها وتعاملها معاملة الرجل للمرأة، وقد أعدت لها كوباً من الفضة نقشت عليه اسم خليلتها، ولا تسمح لأحد أن يشرب منه سواها، كما أنها طرزت اسم هذه الخليلة على الوسائد والفرش، ثم مهدت السبل لكي تزوج زوجها من هذه المرأة، فعاش الثلاثة في منزل واحد وفي شبه وئام. وقد حققت بهذا الزواج أهدافها بالتخلص من زوجها، على الرغم من أنها بقيت في عصمته، وفي الوقت نفسه قربت منها خليلتها

وعندما بلغت سن اليأس تشبثت بها نزعات سادية فكانت تضرب خادمتها ضرباً مبرحاً. وكثيراً ما كانت تجز شعرها وتكوي جسدها بسيخ محمي في النار، كما استبدت بها ميول ذكرية حملتها على السفر بمفردها إلى الأقطار الشقيقة وإلى تبذير أموالها تبذيراً شديداً. وما لبثت أن انتابتها نوبات ملانخولية متفاوتة في الشدة

بدأت عوارض مرضها بحدوث خفقان في القلب ورهبة من الموت وخوف من عقاب الله،

<<  <  ج:
ص:  >  >>