للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نشأته وأخلاقه

كان أبو الحسن من أهل الفضل والنباهة والرياسة، ينتمي إلى بيت كبير واسع الثراء من بيوتات الصعيد، وكان يداخل نفسه شيء من الكبر والأنفة والطموح، وقد لازمته هذه النزعة طيلة حياته، بل جنت عليه أكثر من مرة، وأذاقته مرارة الكُره والشماتة من نظرائه، والتحيف والعسف من ولاة بلده وحكامه

وما من شك في أن مصرعه الرهيب على يد شاور وزير العاضد - كما سيأتي - مما يمت إلى هذه الصفات التي غلبت عليه بسبب قريب أو بعيد

لقد وصفه الشيخ الحافظ زكي الدين المنذري فقال: كانت في نفسه عظمة! وقال عنه ابن شاكر الحموي في مشيخته: كان الرشيد عالي الهمة، سامي القدر، عزيز النفس، يترفع على الملوك ويرقى بنفسه عنهم

وذكره ابن أبي المنصور في كتاب البداية فقال: كان قد اجتمعت فيه صفات وخلائق تعين على هجائه، منها أنه كان أسود، ويدعى الذكاء، وأن خاطره من نار

ولقد ضمه ليلة - مع جمع من الفضلاء - مجلس للملك الصالح بن رزيك، فألقى عليهم مسألة في اللغة عجزوا جميعاً عنها، حتى أتى هو بفصل الخطاب فيها. فلما أبدى الملك الصالح إعجابه قال الرشيد مفتخراً: ما سئلت قط عن مسألة إلا وجدتني أتوقد فهماً. . . فقال محمود بن قادوس الشاعر وكان حاضراً:

إن قلتَ: من نارٍ خُلِقْ ... تُ وفُقْت كلَّ الناس فهما

قلنا: صدَقْتَ فما الذي ... أطفَاكَ حتى صرتَ فحما؟

ومما قاله فيه ابن قادوس أيضاً، وكان به مغرى:

يا شِبْه لقمان بلا حكمةٍ ... وخاسراً في العلم لا راسخاً

سلخت أشعار الورى كلها ... فصرت تدعى (الأسود السالخا)!

ويبدو أن الرشيد لم يكن يخلو - مع هذا - من حب المفاكهة، والميل إلى التندر والمداعبة. ولقد كان مما قصه عن نفسه لبعض أصحابه أنه مر ذات يوم بموضع في القاهرة، فإذا امرأة شابة صبيحة الوجه تنظر إليه نظر مُطمع في نفسه، وتشير بطرفها، قال: (فتبعها وهي تدخل في سكة وتخرج من أخرى، حتى دخلت داراً وأشارت إليَّ فدخلت؛ ورفعت

<<  <  ج:
ص:  >  >>