للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بزي الأعراب فأنشده. . .)

ثم جاء المعتصم فأعاد لبس القلانس الطوال تشبهاً بملوك الأعاجم، فلبسها الناس اقتداء به، وسميت المعتصميات.

ومما ذكره الجاحظ في اختلاف الناس في صنوف اللباس قوله: (. . . وهل ذلك إلا كتعظيم كور العمامة، واتخاذ القضاة القلانس العظام في حمارة القيظ، واتخاذ الخلفاء العمائم على القلانس! فإن كانت القلانس مكشوفة زادوا في طولها وحدة رءوسها حتى تكون فوق قلانس جميع الأمة. . .).

ولم يكن لبس الدنيات قاصراً على قضاة العرب، بل تعداهم إلى غيرهم من الأمم، فهذا الاصطخري الرحالة البلداني يقول في عرض كلامه على صور أهل فارس وزيهم: (وأما قضاتهم فإنهم يلبسون الدنيات وما أشبهها من القلانس المشمرة عن الأذنين، مع الطيالسة والقمص والجباب، ولا يلبسون دراعة ولا خفاً بكسرة، ولا قلنسوة تغطي الأذنين. . .)

وكان القضاة يتفردون بلبس هذه القلانس الطوال أينما وجدوا، وقد يدفعهم الأمر إلى منع كافة الناس من لبسها. فقد أنبأنا الكندي في نحو سنة ٢٣٠هـ بقوله: (كان زي أهل مصر وجمال شيوخهم، وأهل الفقه والعدالة منهم لباس القلانس الطوال؛ كانوا يبالغون فيها، فأمرهم ابن أبي الليث (القاضي) بتركها ومنعهم لباسها وأن يشبهوا بلباس القاضي وزيه فلم ينتهوا. قال ابن عثمان: فجلس ابن أبي الليث في مجلس حكمه في المسجد واجتمع أولئك الشيوخ عليهم القلانس؛ فأقبل عبد الغني ومطر جميعاً فضربا رؤوس الشيوخ حتى ألقوا قلانسهم. قال: وأخبرني محمد بن أبي الحديد قال: حدثني عتبة بن بسطام قال: رأيت قلانس الشيوخ يومئذ في أيدي الصبيان والرعاع يلعبون بها، وكانوا بعد ذلك لا يدخلون إلى ابن أبي الليث ولا يحضرون مجلسه في قلنسوة

وأنشدنا إسماعيل بن إسحاق بن إبراهيم بن تميم للجمل:

وأخفت أيام الطوال وأهلها ... فرموا بكل طويلة لم تقصر

ما زلت تأخذهم بطرح طوالهم ... والمشي نحوك بالرؤوس الحسَّر

حتى تركتهم يرون لباسها ... بعد الجمال خطية لم تغفر

يتفزعون بكل قطعة خرقة ... يجدونها من أعين ومخبِّر

<<  <  ج:
ص:  >  >>