للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخباز إلى الضابط. فلم يجزع الخباز واحتج بجهله أن اللحم كان خنزيراً. واعتبر الضابط الحادث مهماً يستدعي رفعه إلى ديوان الباشا. فرأى رئيس الديوان أن الأمر خطير يصعب الحكم فيه فأرسل المتهم إلى المحكمة. فاستفتى القاضي المفتي فأفتى أن كل طعام لا يكون نجساً في أصله تطهره النار مما يلوثه. فيعتبر طاهراً أي طعام وجد في الفرن ولو لامس الخنزير.

واستقدم الباشا من أوربا منذ مدة قصيرة لديوان حريمه طقماً من الحشايا والوسائد حشيت بشعر الخيل. ففتحت السيدات إحدى الوسائد ليتحققن من المادة التي تجعلها وثيرة على هذا الشكل اللطيف. فلما رأينها من شعر الكلاب تقززن أشد التقزز وأصررن على طرح الديوان بأكمله

واستخدم الباشا منذ سنوات قليلة رجلاً فرنسياً لتكرير السكر. فاستعمل هذا الأخير الدم لهذا الغرض. ومنذ ذلك اليوم قل من يجرؤ من المصريين على استهلاك السكر الذي يصنعه هذا الإفرنجي. فاضطر الباشا إلى تحريم استعمال الدم في مصانعه واستبدل به زلال البيض. وقد رأى بعض المصريين أن السكر الأوربي يفضل السكر المصري فاستعملوا الأول على اعتبار أن ما كان طاهراً في الأصل يمكن أن يطهر مرة أخرى بعد تلوثه. ولكني مضطر إلى استعمال السكر المصري غير المكرر في عمل الشراب لضيوفي إذ أن البعض يناقشني طويلاً في هذا الموضوع.

جرت العادة أن يصب المصريون على ملابسهم بعد غسلها ماءً نقياً ناطقين بالشهادتين. وقد ذكرت عند الكلام على الدين عادات أخرى في النظافة يراعي المصريون أغلبها. ولكن المصريين بالرغم من هذه العادات والمبادئ في الطهارة وتعودهم الاستحمام لا يغيرون ملابسهم الداخلية كثيراً بقدر ما تفعل بعض الشعوب التي تعيش في أقصى الشمال والتي لا تحتاج إلى ذلك كثيراً، ويذهب المصريون إلى الحمام مراراً في ملابس قذرة يلبسونها بعينها ثانية بعد استحمام تام.

يتبع

عدلي طاهر نور

<<  <  ج:
ص:  >  >>