للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلو شئت أن تفسر (عثر الرجل) لقلت: (صدم الحجر الرجل فكاد يسقط)، فكأن (عثر) قامت مقام الكلمات (صدم الحجر. . . فكاد يسقط). وأنت ترى أن (الرجل) هنا هو الذي وقع عليه الفعل (أي المفعول به)، لأنه هو الذي صدم فكاد يسقط. فلما كتم هذا الفعل (عثر) فاعله الحقيقي - وهو الحجر مثلا -، وكتم (الصدم) الذي فعل الفاعل الحقيقي، نسب فعله إلى الرجل، مع إنه ليس فاعلا بل مفعولاً به. فهذا يدل على إنه ليس مريداً للفعل (وهو العثرة)، كما يكون مريداً للفعل في قولك: (قام الرجل) إذ إنه مريد هنا للقيام. وشبيه به قولك: (مات الرجل) و (نام الرجل)، فالرجل هنا - على إنه (فاعل) في عبارة النحاة - ليس فاعلا في حقيقة المعنى بل هو (مفعول به) لأنه غير مريد في حالة الموت أو النوم

فإذا صح لديك أن الرجل غير مريد للعثرة في قولك (عثر الرجل)، رأيت الدلالة الرابعة لهذا الفعل وهي أن الشيء الذي فعل العثرة - وهو الحجر مثلاً - كان صغيراً لم يتبينه الرجل، أو لم يتوقع وجوده في المكان الذي كان فيه، فلذلك كاد يسقط على غير إرادة من الرجل لذلك

وإذا تأملت قليلاً رأيت أن قولك (عثر الرجل) لا يراد به الإخبار عن حدوث الصدم، بل المراد أن تصور هيئة الحركة التي جاءت بعد الصدم، وهي حركة السقوط. ولذلك بني مصدرها على هيئة المصادر التي تدل على عيوب الحركة في أصل الخلقة كالتي تكون في الدابة وغيرها من كل ما يمشي أو يتحرك. وذلك هو وزن (فعال) كالشماس، والجماح، والنفار، والشراد، والهياج، والطماح، والحران، والعضاض، والخراط، والضراح، والرماح، والفرار. فأنت ترى من ذلك أن المصدر قد نظر فيه إلى أن المراد في الفعل هو حركة السقوط لا الصدم، فإن الصدمة ليست عيباً، وإنما العيب في هيئة الحركة. وكثيراً ما يستعمل العثار للخيل يقال: (عثر الفرس) أو غيره من الدواب

هذا. . . وحروف الجر التي تأتي لمصاحبة الأفعال إنما تأتي لمعان يتعين بها للفعل معنى لم يكن ظاهراً فيه قبل دخولها، بل ربما اضطر الحرف الفعل أن ينتقل من الحقيقة إلى المجاز، ولذلك تسمى حروف المعاني

ثم إن كل حرف من هذه الحروف له معنى أصلي يقوم به، ثم تتفرع منه معان أخرى لا تزال متصلة إلى المعنى الأول بسبب. فالياء مثلاً هي في حقيقة معناها على إلصاق شيء

<<  <  ج:
ص:  >  >>