للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تجرجرهم التقلبات الحزبية، وتدوسهم سنابك الأهواء

إن جهاد مصر الأدبي لا يقل عن جهادها السياسي، فقد استطاع فريق من أدباء مصر أن يرفعوا اسم وطنهم في الشرق، ولكنهم مع الأسف عجزوا عن رفع اسم الأدب في وطنهم، لأنهم غفلوا عن واجب المصابرة تحت الراية الأدبية، واكتفوا بالتغني تحت الراية الوطنية

ألم اقل لكم إن الأديب ليس أجيراً للوطن ولا أسيراً للمجتمع؟

وما قيمة الوطن إن لم يفرح بأن ينبغ فيه المفترعون لأبكار المعاني؟

في القسم المصري بمتحف اللوفر في باريس تمثالان ناطقان: تمثال الفلاح المتربع تحت الشمس وهو يتذوق السكون والخمود، وتمثال الكاتب المتربع وهو مهموم يستعد للإنشاء. وتلك صورة مصر في القديم والحديث، فمن أبنائها من يفرح بالنعيم البليد، ومن أبنائها من يفرح بالشقاء السعيد. والأشقياء بالمعاني هم السعداء، يوم يوضع للسعادة تعريف صحيح

ألم يأن للأدباء أن يعرفوا واجبهم نحو الأدب؟

ألم يان للزمن أن يسمح بأن تقوم في مصر دولة أدبية لا تعرف غير الصدق في البيان عن أوهام الأهواء وأحلام القلوب واوطار العقول؟

أمن المستحيل أن يقول أديب (أنا) في هذه البلاد؟

ألا يوجد فينا من يتوكل على الله وحده ليملك الغنى عن الناس فيكتب ما يكتب ويقول ما يقول في صراحة وإخلاص؟

عذرت من عاشوا في زمان الظلم، فما عذر من يعيشون في هذا الزمان؟

إن حرية التفكير مكفولة للجميع، على شرط السلامة الفكرية، فما الذي يوجب أن يكون الأديب إمعة لا ينطق أو يصمت إلا وفقاً لبعض الموحيات الأجنبية عن جو العقل والروح؟

وما الموجب لأن يتفاضل الأدباء بالقدرة على الرياء، وهو سناد المهازيل، وعماد المعاليل، ودعام المناخيب؟

لقد وضع الورق في التسعيرة الجبرية قبل أن يوضع الفول، ومع هذا لا يفهم ناس أن قوت العقول يسبق قوت البطون!

إن الأدب الكاذب ينفع، فكيف يضر الأدب الصادق؟

والأدباء المستعبدون يفلحون، فكيف يخيب الأدباء المستقلون؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>