للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جانب ذلك بصفات سامية في البأس والشجاعة؛ فكانفارس بني العباس المعلم، وأضرب رجال دولتهم في البطولة بسهم

ولقد استكثر من غلمان الأتراك في جيشه ليتقوى بهم على الخراسانية الذين نهضت على أكتافهم دولة المأمون، واستقدم كثيراً من أبناء فرغانة وأشر وسنة ليستعز ببأسهم على من كانت تموج بهم بغداد من مختلف طوائف الجند بين عرب وأبناء وموال وخراسانيين

وما نشك في أن الجاحظ كتب رسالته على هذا العهد متشيعاً بذلك للخليفة وحزبه. ولقد كان الجاحظ أديباً موهوباً محظوظاً، وقل في الأدباء من يجمع بين هاتين الفضيلتين. كان يحب أن يستفيد، ثم هو يعرف كيف يستفيد؛ ولكن تطور الأمور ألجأه - برغمه - إلى أن يحبس رسالته حتى حين، إذا كان التنافس قد اشتد وقتئذ بين هذه الطوائف المختلفة في أجناسها وجبلاّتها، المتباينة في أطماعها وفي أهوائها. وتطورت الحال إلى أكثر من هذا؛ إلى اصطدام دموي عنيف، وفتنة هوجاء جامحة، حيكت فيها الدسائس الخفية والظاهرة، ودبرت الاغتيالات المحقة والمبطلة، فطاحت رؤوس، وأهدرت دماء، وهاجت أوشاب من العامة بإيعاز من رؤساء الأجناد، وائتمرت الطوائف جميعاً بالأتراك الذين خصهم الخليفة بإيثاره، وبوأهم رفيع المناصب في دواوين حكومته وثكنات عسكره

وينبغي هنا أن نشير إلى بعض الوقائع الثابتة لنمثل الحالة التي سادت البلاد في ذلك العهد تمثيلاً أقرب إلى الوضوح:

١ - كان الأفشين من أشهر قواد المعتصم الأتراك، وقد أبلى البلاء الأعظم في الحروب التي اشترك فيها دفاعاً عن حوزة الخلافة، وبسطاً لسلطان الدولة في عصري المأمون والمعتصم. ولكنه لم يكن مع ذلك خالي النفس من كراهية العرب، والتسخّمط على منافسيه من أفرادهم وأعيانهم. ولقد كان حسده للقائد العربي أبي دُلف (القاسم بن العجلي) أمراً مشهوراً؛ حتى لأشهد عليه مرة بجناية وقتل، وأزمع أن يقتص منه، لولا أن بادر أحمد أبي دُوَاد كاتب المعتصم ومشيره فأدركه قبل نفوذ الأمر فيه؛ وأنذر الأفشين أن يصيبه بسوء، ثم رفع القصة إلى الخليفة، فاستحسن صنيعه في المبادرة بإنقاذ أبي دلف، وعنف الأفشين على ما قد وطد العزم عليه. . . ولم يلبث هذا القائد - وهو من هو ضراوة وسوءَ معتقَد - أن حاول الاستقلال بمسقط رأسه أشر وسنة، فانكشف أمره على يد عبد الله بن طاهر

<<  <  ج:
ص:  >  >>