للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حبل الأبد في الأدب]

بقلم امين نخلة

في كفة الغروب أمس، بعد ان مال ميزان النهار، وغشى السواد الشفق، كنت أسألهم إلا يوقدوا المصباح في وجه الليل. بل ندع العتمة تتساقط على مهل وتتلبد، حتى إذا غمر السواد الجهات، غرق عبث الحياة في الليل، وسلم الأمر. . . هل مطلبي من الحياة غير هذا؟!

ثم اشرف من النافذة، فإذا المدينة قطعة واحدة في جوف الليل. خفى الشتات، وتألفت الدقائق، ومسح على الفضول. فلست أرى ما يتعالى في المشهد الأسود المنطرح إلا ذؤابات الأبنية تشمخ، وكأن بعضها في رأي العين يمشي إلى بعض، فتتلاقى وتتساند بعد البياض الفاني، والعبث المولى!

وهذا قمر الليل، يقهقه بلا صوت. . . ولقد جنح إلى المنحدر الاخر، كأنما يزلق من هنالك، فتدفق الفضة دفقا، غير العهد بها في مقاطر الصحو الازرق، حين تنقط ولا تبل الارض!

والليل فهرس البياض المنطفئ، ترى فيه العناوين، وعفاء على الحروف الضئال، والتنقيط المنمنم في كتاب النهار. فالعمود البعيد القائم الساعة ناحية الجنوب، ولا أتبين ما حواليه، عنوان طويل لبناية المسجد، ولقد خفيت المقالة وسلم العنوان. . .

وإننا في الأدب على أعقاب جيل مال ميزانه، وطفقت العتمة تتساقط عليه، فعما قليل تغمر نوافله، وتبتلع توافهه. ولا يسلم منه في الغرق الاعظم إلا العناوين الجديرة بالسلامة! ويسلم القمر ذو القرص الباقي، والشعاع المجدد

كنا في (الباروك) (١) - في مطلع الصبى - نجول بالضاحية، حيث كان (لامرتين) يهبط الخضرة والفيء على الينابيع. أو نصعد في الهضبات حيث مر جواد (ابي الطيب). . . (وعقاب لبنان وكيف بقطعها) فيقول وأحدنا للرفقة:

- ترى أي شئ من هذا الريف لفت صاحبنا؟!!

وكنا بعد لم نتعلم التريث في الجواب، فتنطلق الأجوبة في الرفقة كما يهتاج العش! فالطاحون الذي يهدر حتى آخر الأبد عند الشجر، كأنما يهوم للجمال الأخضر فينعس وينام،

<<  <  ج:
ص:  >  >>