للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومباحث الفلسفة الحديثة تتمم الفلسفة الإنسانية من حيث تحليل الحركة الفكرية، وعلاقة الجسم بالعقل، وقدرة العقل على فهم الحقائق، وحركة الفكر الذاتية (التأمل) ثم بحث النفس الإنسانية وهل لها وجود مستقل أو هي نتيجة لاتحاد القوى المدركة بالقوى المفكرة في الإنسان؟

ولما كانت هذه المباحث من المعضلات العويصة الحل اتخذ كل فريق من الفلاسفة لحلها طريقاً خاصاً، ففريق اعتمد على العقل وحده فانهدم صرح العقائد الموروثة، وعاد العقل يزنها بمقياس الاستقلال الفكري مستعينا بقوانين المنطق، ولكن التوى على جماعة العقليين قصدهم لان العقل بدأ يبحث نفسه، وتطرق الشك إلى كيفية حدوث الادراك، وإذ ذاك لم يجد الباحثون بدا من الالتجاء إلى الحواس والاعتراف بأنها طريق الادراك، وهذا اساس المذهب (التجريبي)، ومع ذلك قام من يثبت أن الحواس تقوم بعمل ميكانيكي، وان المخ في دائرة عمله في الحكم على ما تحمله إليه الحواس قاصر، وان هناك بجانبه وجدانا له انفعالات خاصة لا دخل للحواس ولا للعمل الفكري في أحداثها. ولذا قسموا العقل فقالوا بالعقل المدرك والعقل الملهم أو الخالص.

ويطول البحث إذا اتينا على حجج كل فريق، ولكن ما لا شك فيه ان للنفس البشرية وجودا مستقلا وارادة خاصة غير ما تبعثه فيها البواعث الخارجية ويصل إليها من طريق الحواس والذي يهمنا ان الفلسفة تحولت من اعمال الإنسان إلى أفكاره ومن تفكيره إلى ماهية نفسه. وهذا آخر مدى وصلت إليه الفلسفة الإنسانية.

واليوم تقوم فلسفة اخرى تبحث النوعين الرئيسين (الفلسفة الطبيعية والإنسانية) لا على انهما منفصلان، ولكن على اساس ايجاد الروابط التي تربط الإنسان بالطبيعة، ونتيجة هذا البحث الوصول إلى الغرض الاسمى الذي لم يستطع الإنسان منذ وجوده ان يظفر به لقصر تفكيره ونقص استعداده. وان اليقين بوجود الله من طريق العقل قد حل مشكلات الفلسفة قديما وحديثا. .

لقد ادرك الإنسان ان ما يراه من مظاهر الطبيعة لم يسخر له اعتباطا، وان القوانين الطبيعية التي لم يتطرق إليها الخلل لم توجد اتفاقا، وان صلة الإنسان بالطبيعة ضرورية، وان عظمة الخالق كما تظهر في سر الكهرباء والجذب تظهر في سر النفس وخلود الروح،

<<  <  ج:
ص:  >  >>