للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكرى السيد جمال الدين]

للأستاذ محمود شلبي

أمم في رجل، وبركان ثائر يرمي بالحمم والنار، وصورة حية فذة عجيبة تسعى من النور وإلى النور. رجل أقام العالم وأقعده، وهز الشرق هزة عنيفة فأحيا العقول بعد مواتها، فتنبه الغافل ونشط العاقل وخر الباطل ذليلاً خاشعاً إلى الأذقان

ذلكم يا صاحبي، الأستاذ الفيلسوف السيد جمال الدين الأفغاني المتوفى صباح يوم الثلاثاء ٩ مارس سنة ١٨٩٧ ميلادية

ولد في قرية (أسعد آباد) من قرى كنر سنة ١٢٥٤ هجرية، وفي السنة الثامنة من عمره أجلس لتعليم وعنى والده بتربيته فأيد العناية به قوة في فطرته، وإشراق في قريحته، وذكاء في مدركته، فأخذ من بدايات العلوم ولم يقف دون نهاياتها

واستكمل الغاية من دروسه في الثامنة عشرة من سنه، ثم عرض له سفر إلى البلاد الهندية، فأقام بها سنة وبضعة أشهر ينظر في بعض العلوم الرياضية على الطريقة الأوربية الجديدة

ثم ذهب إلى مكة حاجا، ثم عاد إلى بلاده، ولم يمكث طويلاً حتى تاقت نفسه إلى الحركة فيمم وجهه شطر الهند وتلقته حكومتها بحفاوة وإجلال.

وهبط مصر أربعين يوماً تردد فيها على الجامع الأزهر وخالطه كثير من طلبة العلم السوريين ومالوا إليه كل الميل، ولكنه تعجل بالسفر إلى الآستانة

وصل الآستانة وهو مع ذلك بزيه الأفغاني: قباء، وكساء، وعمامة عجراء؛ وحومت عليه لفضله قلوب الأمراء والوزراء، وعلا ذكره بينهم وتناقلوا الثناء على علمه ودينه وأدبه، وهو غريب عن أزيائهم ولغتهم وعاداتهم. وبعد ستة أشهر سمي عضواً في مجلس المعارف فأدى حق الاستقامة في آرائه وأشار إلى طرق لتعميم المعارف لم يوافقه على الذهاب إليها رفقاؤه

ودعي لإلقاء خطاب في دار الفنون للحث على الصناعات، فلبى بعد امتناع، وما ألقى الخطاب حتى ثارت عليه ثائرة الرجعيين فصدر إليه الأمر بمغادرة الآستانة بضعة أشهر حتى تسكن الخواطر ويهدأ الاضطراب ثم يعود إن شاء، ففارق الآستانة مظلوماً في حقه، مغلوباً لحدته، وحمله بعض من كان معه على التحول إلى مصر

<<  <  ج:
ص:  >  >>