للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكل هذا لا يفيد الأستاذ الساكت بشيء، لن الله تعالى قد عين ذلك التراث في قوله: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها، وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون) فالأرض المباركة هي أرض الأنبياء من المسجد الأقصى وما حوله، كما قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله) وهي الأرض المقدسة التي ذكر الله أنه كتبها لهم في قوله: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم) فهذه الأرض هي التي كانت مطمح بني إسرائيل، وهي الإرث الذي كانوا يتطلعون إليه، وأرسل موسى لأجل أن يمكنهم منه

وقد فصل الله تعالى ما جرى لبني إسرائيل بعد مجاوزتهم البحر، وكرره في سور كثيرة من القرآن الكريم، وذكر من ذلك أنه حاول أن يحملون على دخول الأرض التي وعدوا بها، فهابوا قتال أهلها (قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، قال رب إني لا أملك إلا نفسي وآخى فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين، قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين)

ولم يذكر الله تعالى فيما فصله وكرره من ذلك أنهم رجعوا إلى مصر، وهو لو صح حادث عظيم ما كان الله تعالى ليهمل ذكره، على أن أولئك القوم الذين عجزوا عن فتح بيت المقدس، وأظهروا ذلك العجز والجبن، لا يعقل أن يقووا على فتح مصر، ولا يعقل ألا أن يبقوا في ذلك التيه الذي ضربه الله عليهم، وألا أن يحرمهم الله نعيم مصر أيضاً جزاء فسقهم وعصيانهم

ولا شك بعد هذا في أن ظاهر القرآن الكريم يشهد لذلك التفسير الذي ذكرته، وهو التفسير الذي يتفق مع المعروف من تاريخ مصر القديم وتاريخ بني لإسرائيل، ولا اعتداد بتلك الروايات المجهولة التي ذكرت في المنارة وغيره، ولم تبين لنا كيف ملك موسى مصر، ولا كيف تركها بعد أن تمكن منها

والله يعلم أني لم أطلع على ذلك التفسير الذي يتفق تفسيري معه، وإنما كان ذلك من توارد الخواطر، والخطب فيه سهل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>