للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الساذجة غير المعقدة، الصورة العلوية الفردوسية التي ابتدعها الرجل العبقري الأول الذي ابتكر فكرة ألف ليلة وليلة فجعلها صورة شائهة قبيحة فاجرة لا يمكن أن تمثل مرأة المواخير التي تتجر بعرضها كما تتجر بأعراض الناس. يريد أن يقول المبتدع الأخير للعبقري الأول: إنك يا صاحبي رجل سليم النية طيب القلب ساذج التفكير، تنظر للمرأة تلك النظرة العالية المبرَّأة فتتهمها بالذكاء الصالح، وتنفي عنها الدهاء الطالح، حين تضع بين يديها شخصية مستوحشة مثل شخصية شهريار الذي قتل زوجه الملكة وقتل العبد الذي خانته فيه، ثم راح يقتل العذارى نقمة منه على جنس المرأة حتى رزقه الله هذه الفتاة الألمعية (شهرزاد) التي تسلمته كما يتسلم المروضون السباع والضواري فما يزالون بها حتى يسلس لهم قيادها وينقاد لهم عاصيها، وتخضع كما تخضع الثعابين في الهند للموسيقى وتسكن سكون الطفل إذ يلتقم ثدي أمه. . . أما أنا - لا جعلت فداك - فعلى النقيض منك، إذ أني قليل الإيمان - بل لا إيمان لي على الإطلاق - بالمرأة. . . المرأة التي تمثلها شهرزاد في كل زمان ومكان. . . إني عدوها!!. . . إنها مخلوق أناني صلف غادر. . . إنها كائن غويّ بغيّ فاجر. . . إنها أصل كل بلاء، وجالبة كل شقاء. . . إنها كما جاء في هذا البيت المضحك الذي دسه عليك بعض القصاص المتأخرين فيما دسوه عليك من سخف. . . هذا البيت الواهي المتهالك الذي لا يستقيم له وزن:

إذا رأيت أموراً منها الفؤاد تفتت ... فانظر تجدها من النساء تأتت!!

بالضبط يا عزيزي العبقري الأول، ولو أنك أنت كنت رويت هذا البيت، وثقفته لراقك أن يكون مذهبك في المرأة كما أصبح مذهبي، ولدنت به كما أدين أنا - في آخر الزمان - به فقد تناولت شهرزاد الحصيفة العفيفة الظريفة اللطيفة التي قتلت الشيطان بين جنبي شهريار، وأبادت الظلام الذي جثم على قلبه، وأعادت إلى روحه السلام والطمأنينة، وغيرت مجرى تفكيره في الحياة حين أنجبت له أبناء وخلقت له (بيتاً)، شهرزاد التي لم تزل بالملك المتبرم بكل شيء، الناقم على كل الوجود، حتى على نفسه فردته إلى الرضى، وغسلت قلبه بالثلج والبرد، واشتركت وإياه في شئون الملك، فاستقامت له الرعية، وازدهرت في فيض عدالته الدولة. . . تناولت أنا شهرزادك هذه فمسختها. . . ولا تؤاخذني يا عزيزي العبقري الأول فهذا رأيي في المرأة. . . وجعلتها أنانية أثرة لا تجهد

<<  <  ج:
ص:  >  >>