للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النساء كما أصيب الرجال في المرحلة الحاضرة، وغاية ما نرجوه أن تكون مرحلة انتقال وراءها مراحل استقامة وصلاح

عدت إلى كتب أدبائنا منذ أسبوعين لأكتب عنهم في مجلة (الاثنين) فقرأت في فيض الخاطر للأستاذ أحمد أمين مقالاً عن حرية المرأة بين جيلين يقول فيه بلسان البنات وهن يخاطبن أباهن:

(يا أبانا الذي ليس في السماء! رقصت أمنا فرقصنا، وشربت أمنا فشربنا، وشربت سراً فلتسمح لنا بحكم تقدم الزمان أن نشرب جهراً، ورأينا في روايات السينما والتمثيل حباً فأحببنا، ورأينا عريا على الشواطئ فتعرينا، وتزوجت أمنا بإذن أبيها فلنتزوج نحن بإذننا. قال: نعم. قلن: وقد أوصتنا أمنا أن نركب الروح ولكننا أمام مشكلة يشغلنا حلها. فإننا نرى شبان اليوم متمردين لا يخضعون خضوعك ولا يستسلمون استسلامك، فإرادتهم قوية كارادتنا، وهم يحبون السلطة حبنا، فهم أحرار ونحن أحرار، وهم مستبدون ونحن مستبدات، فكيف نتفق؟)

والذين نراه أن شكوى الجيل الحاضر من مشكلة الزواج أعظم من شكوى الجيل الغابر الذي منه آباؤهم وأمهاتهم، فليست المسألة قوة إرادة من هذا الجنس أو من ذاك، ولكنها مسألة حرية لا يقوى على علاجها هذا ولا ذاك. وإن هان شأن الفتاة حيناً فإن شأن الفتى ليهون في حين آخر على حسب المناسبة العارضة أو على حسب قانون العرض والطلب الذي يتحدث به الاقتصاديون. ويغلب الهوان على الفتاة في المعترك الحاضر لأنها هي التي كانت مطلوبة فأصبحت معروضة أو طالبة فأصابها الرخص والهوان من طريق الحرية، وهو ما عنيناه بالذلة في طريق مشيئتها بعد الذلة التي أصابتها قديماً من فقد المشيئة. فإذا وقع الفتى في قيد الزواج فإنه ليشكو من زواجه أضعاف ما كان يشكوه أبوه وجده، ويحار فيه الحيرة التي لا مخرج منها إلا بالفرار أو الاصطبار

هي بلوى الحرية المفاجئة بعد بلوى العدوى الاجتماعية، وهي حالة جديدة تحتاج إلى (قاسم أمين) جديد يعالجها ويرفع العقيرة بالثورة عليها، ولا يكون في عمله إلا فاتح صفحة من الكتاب الخالد الذي فتح صفحته السابقة قاسم أمين قبل خمسين سنة. رحمه الله.

عباس محمود العقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>