للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجهه أدب، وعرفا لا يقوم بسبيله قانون.

إن الامتيازات الأجنبية شر ما مُنيت به هذه الأمة من علل الفساد وأسباب الوهن. فان وجودها يوهم الأوربي انه فاضل بالحق، ويشعر المصري انه مفضول بالطبيعة، فيمعن هذا في هضم نفسه وبذل مقادته، بمقدار ما يمعن ذلك في تصعير خذه وتجاوز حده، ويجري الأمر بين الرجلين مجرى الطبع والعادة، فلا يندم الأول على إساءة، ولا يألم الثاني من غضاضة!

وما تجره على الأمة هذه الآفة من قتل الرجولة في النفوس، وكسر النخوة في الرءوس، لا يدفعه إلهاب العواطف بعظمة الآباء وحماسة الشعراء وطموح المدرسة، فما ظنك إذا خلا التاريخ من روح الوطنية، والشعر من أدب القومية، والمدرسة من رفع الخلق

أن اخبث الأدواء ما خامر الجسم فسلبه القدرة على الفكر فيه بَلْهَ الخلاص منه.

ولقد جنت الامتيازات على أخلاقنا جناية العبودية على أخلاق العبيد! فنحن نجبن أمام الإهانة، ونكذب أمام الخوف، ونخنع أمام القوة، ويقعد بنا اتهام الكفاية عن المنافسة، حتى خلت ميادين العمل للأجانب فتحكموا تحكم الأرباب، وتصرفوا تصرف السادة، وعاشوا بالشر على خير هذا البلد، وأنضجوا شِواءهم في حريق أهله!

كل أولئك ونحن نضرع للسفيه أن يحلم، وللخصم أن يحكم، وللقوي أن يستكين، ثم نحاول أن نتحاكم إلى المعاهدات، ونتفاهم بالمفاوضات، كأنما انقلبت حملة الغرب على الشرق دعوة إلى سبيل المدنية وتقدم الإنسانية على هَدْى السلام والعدل!

كلا يا سادة! إن علاج المسموم بالعزائم مزاح مع الداء لا تؤمن عاقبته، وان قتل الحية أهون من ترويضها، وان قطع العقدة أسهل من حلها، وان المتنبي ما كان يجهل الناس حين قال:

إنما أنفس الأننَيْس سباع ... يتفارسْنَ جهرة واغتيالا

من أطاق التماس شيء غلابا ... واقتسارا لم يلتمسه سؤالا

أحمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>