للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسكونه، ويلهم الأفكار بصمته، والدجى ساهر يردد ترانيم قيثاري، ونسيمه الرقراق هائم يداعب غدائري، والظلام ناشر على قدمي غلالة من السحر والفتون. . . فتأخذني روعة جلاله، وتهيجني فتنة جماله. هنالك. . . يجود سنا محياي الباهر، بربيع موفق زاهر، تتفتق فيه الورود، وتتفتح الأزهار، ويفوح النسيم معطراً من شذى نسماتي، وعبير نفحاتي؛ وتذيع نسمات الروض همسات شوقي وحنيني، ويرتل هزار الأيك شكاة تأوهي وأنيني؛ ثم تسطع النجوم، وتأتلق الكواكب من سنا عينيّ، وضياء محياي!

واهاً حبيبتي! أترانيم صوتك العذب الندي، من شدو خرير المياه المترقرقة، أم من سكون الطبيعة الصامتة؟! واهاً لصوتك الحلو الرنين! واهاً لنغمك الشهي الرخيم! واهاً لغنائك الذي يهزّ أحاسيس نفسي وحياً وإلهاماً، ويثير أهازيج قلبي طرباً وإعجاباً. . .

(آهات)

علت وجهي حمرة الخجل، ولم ألب نداء الغزل، لرشف سلاف القبل. . . فارتعشت كزهرة بللتها حبات الندى، واضطرب قلبي؛ وخفق لخفقان فؤادي صدري ونهداي. . . وبعد دلال يثير الوجد، وإعراض يذيب الكبد، قلت: أواه. لا. لا!. . . ثم أسندت رأسي إلى الوراء. ولكن لم تغادر قبلة الحب شفتيّ، ولم تفارق رعدة الهوى ساقيَّ!

حينئذ، عانق رأسي مستعطفاً، طالباً عفوي وصفحي. . . فتنسمت شذى أنفاسه، ونشقت عبير أنسامه، وتأرج النسيم بنفح زفراته؛ ثم مضى عني وارتحل. . .!

أواه! هاأنذا وحيدة حزينة، أبكي ربيع حبي الراحل، وأندب زهر عمري الذابل، بعد أن طوح بي البعد في بيداء الهجر، بين تأوهات الحسرات، وتناوح العبرات!

أواه! هاأنذا راسفة بين أكداس آلامي وأحزاني، غارقة في خضم أسقامي وأشجاني؛ شاكية لوعة هواي، باكية هوى صباي! وقمت أنشد حبي الثاوي في الغاب المهجور، والربع المقفر؛ ورحت أناجي شبابي الهاوي في الرياض الموحشة، والمسالك الواجمة التي كتمت سر غرامنا مذ وطئتها أقدامنا! فلم أر من الأطياف إلا أشباح الذكريات، ولم أسمع من الأصوات إلا أصداء التأوهات!

أواه! لقد نفشت كظيم لوعات حيري حزينة، وزفرت أليم آهات حري كليمة، تهاوت بين الحشائش متهالكة، يذيبها الجوى، وتوارت بين الأعشاب غضبي كسيفة، يدميها الضنى!

<<  <  ج:
ص:  >  >>