للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[تشارلز دكنز]

مواهبه وخصائص فنه

للأستاذ محمود عزت عرفة

(تتمة ما نشر في العدد ٥٢٠)

ضحك. . . وبكاء

قد تعجب للكاتب الواحد يجمع بين الجد الصارم والفكاهة المرحة، أو يمزج في حديثه بين ضحكات الهتانة: ولكن هكذا كان ديكنز! فهو في ثاني كتبه (صحائف بكويك) يرتفع بأدب الفكاهة إلى القمة حتى لتكاد تلمح روحه المرح خلال كل حادث، ومن وراء كل حوار. بل لقد أصبحت تلك الأساليب ذوات المعاني الطريفة الافتراضية التي أجراها دكنز على لسان بطله سامويل بكويك رمزاً أو معنى ينضوي تحت هذا النوع، مما يطلق عليه اليوم اسم ولقد كان انسجام هذه العبارات دقيقاً وتواؤمها طريفاً مع فكاهات سام ويلز - بطل الرواية الثاني - التي جرت في أعقاب ظهورها على كل لسان، وأبهجت بطرافة معانيها نفس كل قارئ. حتى لقد قال أحد نقاد الإنجليز في وصف هذا الكتاب: (أن الهدف الأسمى لصحائف بكويك إنما هو الفكاهة لذاتها، وما نشك في أن هذا الكتاب قد ابتعث في صدور قرائه من الضحكات المرحة البريئة أكثر مما ابتعثه أي كتاب آخر في لغتنا. . .)

أما رواية (حانوت الطرف العتيق) فإنها تعرض علينا صوراً محزنة من الحياة يسترعي التفاتنا، من بينهما قصة (نل الصغيرة) تلك التي أثارت أشجان الكثيرين وهي تطالعهم كل أسبوع بحوادث حياتها في حلقات متتاليات

ويذكرون أنه عندما اتضحت خاتمة القصة، وظهر للقارئين أن (نل) على وشك أن تموت، بعث أحد أصدقاء دكنز إليه بكتاب يرجوه فيه أن يبقي عليها ولو إلى حين. ولكن عبثاً كان هذا الرجاء، فقد تقرر مصير البطلة المسكينة، وظهرت بعد قليل حلقة وفاتها، فاستدرت الدموع، واشجت قلوب الآلاف من القارئين

الواقع أن مفارقات دكنز ومضحكاته. . . وصوره المؤلمة وأحزانه، إنما هي سلاح واحد ذو حدين يرمى به إلى غاية بعينها، ويهدف به إلى غرض واحد لا يبغي سواه

<<  <  ج:
ص:  >  >>