للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وجمالها، كلها أعمال ليست من عمله فرشاقته وظرفه ومرحه وخفته وملاحظته السريعة، كل هذه لا تحتمل عجم عود الشخصيات الإلهية وإبرازها في ملاحم طويلة مسهبة

طال إذن ما بحث لافونتين عن استعداده الأدبي فلم يعثر عليه في كل ما ردنا من أعماله وإنما عثر عليه بعد لأي في الخرافة فوجد في قصر نفسها ما يلائم مقدرته على النظم المحدود والمفردات السهلة. وصادف في موضوعاتها ما يوائم مرحه - مرح الروح الغالية - وظرفه وأحلامه. فالتقى فيها لافونتين بلافونتين

لافونتين والخرافة

ولكن لا تقذفن في روعك - مع ذلك - إن الخرافة عمل استحدثه لافونتين من مبتكره ومبتدعه. فقد سبقه إلى هذا الضرب من الأدب أيسوب الإغريقي، وفيدر اللاتيني، وكثير غيرهما من شعراء العصور الوسطى والقرن السادس عشر عند الفرنسة، فلم يزد على أن نسج على منوالهم ودرج على آثارهم وإنما أكثر لباقة وبراعة وإبداعاً مما جعل الأذهان تنصرف - إن ذكرت الخرافة - إلى أنه مبتدعها الفرد. وليست الخرافة إلا قطعة شعرية مأخوذاً موضوعها من صميم الحياة في تصوير عابر سريع إلا أن أدوار البطولة فيها مسندة إلى الحيوان وإن قصد تطبيق حالته في القصة على حالة الإنسان في الواقع بالقياس والموازنة. وعلى الخرافة التي تستوفي شروطها أن تتضمن قصة أخلاقية. وفي مدها بهذا اللون الفني يتمايز كل هؤلاء الخرافيون فينبذهم أبو الخرافة لافونتين. فقد اهتم أيسوب وفيدر بجانب واحد من الخرافة فعنيا بالأخلاق وانصرفا عن الوقائع القصصية انصرافاً أفقدتهم خرافاتهم عنصرها الفني. كذلك شعراء العصور الوسطى والقرن السادس عشر انصرفوا عن الأخلاق وعنوا بالتفاصيل القصصية عناية سلبت الموضوع لبه وجوهره ومسخت طعمه ومعناه. ولكن لافونتين، شاعر القرن السابع عشر، ألف بين الموضوع والأخلاق تأليفاً حقيقياً بالإعجاب والإكبار إذ جعل من الخرافة ملهاة أشبه بمسرحية أخلاقية مترامية المعاني من مائة فصل في بضع أبيات من الشعر الرائع.

(البقية في العدد القادم)

محمد حسني عبد الله

<<  <  ج:
ص:  >  >>