للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[أعداء النساء]

للسيدة وداد سكاكيني

أمر من الرجل قد وقع، وقضاء قد حم على رأس المرأة. وكأن الدهر أبى منذ الأزل إلا أن يقطع أسباب المودة والصفاء بين الرجال والنساء، فسخر من غلاظ القلب والجسد من كاد لهن وتربص بهن، وزعم متلطفاً أنهن شر لا مفر منه ولا غناء عنه، فأساء الرجل إلى جنسه، والى من خلقت من نفسه؛ فكان كمن ضل وأضل. إذ كيف جاز في شرعة الحق والرجولة أن يخلق هذا الإنسان الجبار عداوة بين الجنسين، أو في دنيا مخلوقين بديعين؟ ومذ بدرت من الطبائع بوادر الخصومة والخلاف هب نفر من الرجال، وقد حسبوا أنهم يحسنون صنعاً، فتنادوا إلى ملاحاة النساء والغض من حسناتهن، ليقال إن العالم يشقى بشرهن ويعيا بأمرهن. وأخذ المتنادون والأشياع يهتفون في كل جريمة وقعت أو خصومة قامت: فتش عن المرأة. ثم غدا الناقمون مباهين بعداوة النساء، فروعت بنات حواء وفزعن إلى أخواتهن متسائلات: - من الشاهر سيفه الكاشر عن أنيابه، الناشر لمخالبه، يريد بنا الأذى وينوي لنا الردى. . .؟

فقلن هذا (أرثور) زائغ الفكر والشعور، رفع صوته في الغرب، فثارت به المرأة تتمنى جلده وتحطيمه. وذلك (التنوخي) الضرير نفث نقمته في أرجاء الشرق، فودت له النساء كل شقاء وفناء. وخلف من بعد هذين الناقمين خلف ورثوا عنهما المكايد والضغائن وصار إليهم بحورة الماكرين. . .

وبعد فما لامرأة اليوم حيلة بالأعداء الغابرين، فقد ماتوا وخلوا للمشايعين تراث العداوة لها؟ وكانت تحسب أنها استراحت من الأعداء، فإذا هم اليوم خصوم ألداء وحقدة أشداء، يتداولون بينهم ذلك التراث البغيض. من هؤلاء الخصوم في ديار العرب توفيق بن سليمان الذي جد في عداوته للمرأة فطعن عليها، ورماها بكل نقيصة في كتبه ومقالاته. واليوم ظهر في جنبه بوادي النيل عدو جديد. على أن أكثر هؤلاء الأعداء من الكاتبين والفلاسفة والكبراء، ما شاع ذكرهم ولا ذاع صيتهم إلا حين تهجموا على النساء بالمثالب والتسفيه، فإذا بمطاعنهم تدور وتحور، ويتردد صداها في كل مكان، وينبسط مداها مع الزمان، ويقبل على بضاعتهم الشامتون بالمرأة والغاضبون عليها، فيشترون من تلك البضاعة المزجاة

<<  <  ج:
ص:  >  >>