للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[المشكلات]

٦ - اللغة العربية

للأستاذ محمد عرفة

لماذا أخفقنا في تعليمها؟ - كيف نعلمها؟

لقد هال بعض علماء العربية ما يرونه من تعلم ولدان الأعراب لغتهم بالطريقة الطبيعية إذ يخرجون يتكلمون بها لا يخطئون ويعربون فلا يلحنون، ووازنوا بين هؤلاء الولدان وبين تلاميذهم الذين يعلمونهم على طريقة القواعد والقوانين، فرأوا البون شاسعاً، والفرق واضحاً: هذا يصيب ولا يخطئ، وهذا يخطئ ولا يكاد يصيب، إذا أخذ الأول بالخطأ لم يطاوعه لسانه، وتعذر عليه الخطأ كما يتعذر على الآخر الصواب. رأوا هذه المشاهدة، ووازنوا هذه الموازنة، فذهبوا إلى أن اللغة العربية للعرب ولأبنائهم بالطبيعة والفطرة، ولغيرهم بالتعليم، وشتان بين ما هو بالطبيعة وما هو بالتعلم والتكلف؛ ولن يبلغ المتكلف وإن بلغ الغاية شأو الطبعي الفطري

وهذا المذهب غير صحيح وإن كان أصحابه معذورين في الذهاب إليه

أما العذر فلأنهم يفنون أعمارهم في درس اللغة العربية وقوانينها وعللها وأسبابها، يبذلون طاقتهم ثم لا يجدونهم قد بلغوا ما يبلغه ذلك الغلام الذي ينشأ في البادية من إجادة اللغة وامتلاك ناصية الشعر والنثر

وأما أن هذا المذهب خطأ فيدل عليه أنه لو كانت اللغة العربية طبيعية في العرب لما تخلفت، لأن ما بالطبيعة والذات لا يتخلف. ونحن نحكم بالتخلف، فلو أخذت صبياناً من أبناء العرب وربيتهم في فارس أو الروم لخرجوا يتكلمون الفارسية أو الرومية، ولم يحسنوا شيئاً من العربية؛ وإذن فليست اللغة العربية في العرب وأبنائهم طبيعة وليست فيهم لذاتهم، ولو أخذت صبياناً من أبناء فارس وربيتهم في بادية العرب لخرجوا يتكلمون العربية ولم يعرفوا شيئاً من لغة فارس والروم. فالصحيح من القول إذن أن اللغة العربية في العرب وغيرهم بالتعليم والاكتساب؛ إلا أن الطريقين مختلفان، فالعرب يتعلمونها بالحفظ والاختلاط وتربية الملكة، والنحاة يتعلمونها بالقواعد والقوانين، ويهملون تربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>