للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على قدر ما سمح له به عقله المحدود فلجأ إلى الفن الجميل يستعين به على بلوغ مأربه فنحت التماثيل، وأقام الأنصاب ورسم الصور

وإذا كانت الفنون الجميلة من نحت وتصوير ونقش قد خدمت الإنسان قبل التاريخ في ديانته الساذجة البسيطة فقد خدمته أيضاً في العصور التاريخية، عندما تعقدت الأمور الدينية بعض التعقيد

فلقد اعتقد المصري القديم بعودة الروح بعد موت الجسم، ورأى لزاما عليه أن يحفظ ذلك الجسم، وأن يضعه بعد موته في محيط يشبه محيطه في الحياة الدنيا، حتى تطمئن الروح وتأنس بجسمها إذا ما عادت إليه، فاستعان بالفن الجميل على تحقيق هذه العقيدة، فزينت جدران القبور بنقوش تمثل حياة الميت، ونحتت له تماثيل تمثله في حياته لتحل فيها الروح إذا ما انحل الجسم أو أصابه عطب، وأودعت هذه التماثيل القبور مع الجثة، كما وضع معها أيضاً ما كان يستعمله الميت في حياته، وروعي في تشييد المدافن أن تكون منيعة لتحول بين هذه الأشياء وبين عبث العابثين؛ ولتظل كذلك في حرز أمين. وإذا كانت عقيدة البعث قد استفادت من فنون النقش والتصوير، فالدين المصري القديم بإلهته المختلفة ومعابده الكثيرة قد انتفع بهذه الفنون أيضاً إلى أبعد حد، فنحتت التماثيل العظيمة للآلهة، ونمقت جدران المعابد بالزخارف الرائعة، وطليت بالألوان الزاهية الجميلة

ولم يختلف الحال في بلاد اليونان القديمة عنه في مصر الفرعونية، إذ نجد أن الديانة اليونانية قد استعانت بفنون النحت والنقش والتصوير على إبراز فكرتها وتجسيم عقائدها، إذ ابتدعوا لأنفسهم آلهة تشرف على شئونهم، وترمز إلى مثلهم العليا، وتخيلوا هذه الآلهة على صورة الإنسان وأفرغوا جهدهم في نحت تماثيل لها كانت أجمل وأروع ما أخرجته يد البشر، خلدت ذكر اليونان على صفحة الزمن ونقشت أسماء آلهتهم في سجل القدر

وما كانت أمم الشرق القديمة من بابليين وأشوريين وحيثيين وغيرهم لتشذ عن مصر واليونان في هذا السبيل، بل استخدمت هي الأخرى الفن الجميل في عبادتها الوثنية

واليهودية أول دين سماوي نادى بالوحدانية، جاء والوثنية هي الدين الشائع بين أمم الأرض جميعاً، والفنون الجميلة من حفر ونقش وتصوير ونحت هي عماد هذا الدين وقوامه، فلكي يخرج الناس من ظلام الوثنية إلى نور الوحدانية كان من الضروري أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>