للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في الشعر العربي، واستهوائها لنفوس العرب والأمم المستعربة على السواء، وعلل بهذا ظهور السجع في كلام العرب القديم.

فإلى متى يا ترى يظل شعراؤنا عبيداً لهذه القوافي المطردة التي لم تتغير منذ عهد عاد!

وكيف يتفوق الأندلسيون على المصريين والشاميين والعراقيين وعرب المغرب وشعرائنا في المهاجر من حيث الاستجابة للصوت الجديد الغرد الذي كان يغني من حولهم فغنوا كما غنى وأنشدوا كما أنشد وشعروا كما شعر، ثم بزوه بموسيقى العروض العربي ذي الثروة الطائلة من الأنغام والموازين فتأثر هو الآخر بهم كما تأثروا به، وأذاع بتلك الموازين في العالم اللاتيني كله، وتأثر الشعر الغنائي هناك بما يطول ذكره في تاريخ آداب الأمم اللاتينية (أسبانيا وفرنسا وإيطاليا) مما نرجو أن نعرض له في فصل خاص إن شاء الله

فكيف لا يستجيب شعراؤنا اليوم لما يدوي حولهم من موسيقى هذا الوجود؟

إننا نقرأ شكسبير ونعجب به، ونشيد بذكر ملتون ونكب على فردوسه، ونتلو آثار الشعراء الفرنسيين والألمان والإيطاليين والأسبان، التي أنشأت بالشعر المرسل في الملاحم للمسرح، ثم نحن تسحرنا هذه الأشعار بسهولتها وسرعتها وموسيقاها الرائعة التي استغنت عن القافية واستعاضت منها بالنغم الحلو، والديباجة الناعمة المشرقة، والأسلوب الذي لا ينزل ولا يسف، ولا يلتوي ولا يتحذلق، فلماذا يا ترى لا نستجيب في شعرنا لهذه الأصداء الأوربية الرائعة كما استجاب العرب الأندلسيون؟

قد يقول قائل: لقد مضى زمن الملاحم، فما بالأدب العربي وما بالشعر العربي حاجة إليها، أما الدرامة المنظومة فقد فشل التنفيذ في مصر باللغة العربية، فهل يحيا بالشعر؟

قيل هذا الكلام في بعض المجالس التي دار فيها الحديث عن تلك الدعوة لتجديد الأدب العربي والدعوة إلى تجديد الشعر العربي كذلك والذين سمعت هذا الكلام منهم أدباء متصلون بشيوخ الشعراء المصريين الذين عبنا عليهم في غير كلمة جمودهم وعدم ثورتهم على القديم وتمسكهم بأهداب الماضي السحيق الموغل في القدم، لأنه يرتد إلى أكثر من ألفي سنة

منطق عجيب أن دل على شيء فهو إنما يدل على تجاهل لا جهل، وإصرار على الجمود دون محاولة بذل أي جهد نحو التجديد

<<  <  ج:
ص:  >  >>