للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تعليلها من الرأي القائل باقتباس المسيحية من العقائد الهندية أو الآرية في جملتها، لأن هذا الرأي يلجئنا إلى إقامة فاصل بين ساميين وساميين، ولا يبطل الاعتراض الذي يرد في هذا الصدد حين يسأل السائل: وماذا كانت الدعوة المسيحية صانعة إذا هي فرضت الشرائع بغير حكومة وبغير ثورة مسلحة وبغير موافقة من أصحاب الأمر بين الرومان أو بني إسرائيل؟

أما الإسلام فلم يكن معقولاً أن ينحصر في المواعظ الروحانية دون غيرها، لأن العرب لم يدينوا بشريعة عامة مفصلة قبل الإسلام تغنيهم عن تشريع جديد، ولأن الإسلام قد تولى الحكم كما تولى الهداية النفسية، فلا مناص هنا من إقامة الحدود وبيان الحقوق وتقرير الحكم في كل شأن من شئون المعيشة تتولاه الحكومات

وكذلك موسى عليه السلام في قيادته للقبائل الإسرائيلية، لأنه كان في مقام الزعيم الذي يسوس تلك القبائل بالشرائع المرعية في زمانه والشرائع التي اقتضاها خروجه من ديار مصر إلى ديار كان فيها لبني إسرائيل موطن قديم. فاهتم بتسجيل الشرائع المصرية والإسرائيلية والموسوية، واهتم إلى جانب ذلك بمصالح قومه، لأن العمل الأكبر الذي تصدى له إنما هو إنقاذ إخوانه في العنصر والعقيدة، فهو عمل (وطني) مقدم في زمانه على الوصايا الإنسانية العامة التي تشمل الأمم كلها كما تشملها كل نصيحة أخلاقية أو موعظة روحية

وهذه العلة كافية أيضاً لتعليل الصبغة العملية التي غلبت على الدعوة الموسوية فأصبحت شيئاً غير المسيحية في الروحانية أو البشارة الإنسانية التي تخاطب جميع الأمم كما تخاطب بني إسرائيل. ولا حاجة في هذا المقام إلى التفريق بين ساميين وآريين، أو التفريق بين طائفة من السلالة السامية وطائفة أخرى، إذ لو كان موسى آرياً وكان أبناء إسرائيل آريين لما سلك غير مسلكه معهم في شئون التشريع والمصالح الوطنية أو المصالح العنصرية

ونعود فنقول إننا لا ننكر الفوارق بين العناصر والأقوام، ولكننا ننكر الفوارق التي يفرضها بعض الباحثين المتعسفين بغير دليل ولا قرينة راجحة، ونحب أن نقيم البحث في أسرار العقائد وأسرار نجاحها في زمانها ومكانها على العلل الكونية التي جرى عليها نظام

<<  <  ج:
ص:  >  >>