للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فما كدت أفرغ من صلاتي حتى جاءت جارية صغيرة تعدو قد أنزفها الجري، ورمت إلي كتاباً في سدقة من حرير يفوح منها العطر، وقالت: سيدتي تقول لك: في هذه شفاء من داء. واستدارت وانطلقت تسعى. فنظرت وشممت ونشرت الحريرة المطوية عن كتاب المطوي طي العجلة، وإذا فيه: (جئنا لميعادك، فإذا شبح نائم في بردك فرميت نفسي عليه أقبله فانتبه وجعل يقول: اغربي عني فلست بالفاسق أخزاكما الله. ودفعني فعدوت أقر بنفسي من فضيحة تنالني فيك. وما شعرت أنك محموم حتى أنبأتني بذلك أختي، فويلي عليك وويلي منك يا عمر!). فألقيت الكتاب إلى ابن أبي عتيق واستعفى به أن يدبر منذ اليوم ما أتقي به خبء الليالي، فنظر إلي بعينين زائغتين من سهر وسهاد وقال: والله يا عمر لكأني بك قد ركبت إلى بلائك وبلاء الثريا حين قلت:

تشكَّي الكميت الجَرْيَ لمّا جهدته ... وبّين لو يستطيع أن يتكلما

وما أدري كيف أحتال لك في أمر قد انفلتت من يديك أعنته، فدع الأمر لله يدبره، ووطن نفسك على الثقة، ولا تجزع لبنية إن جاءتك، والق من يلقاك بالفضيحة كأتم ما كنت بشاشة ورضى وسكينة؛ فأنت خليق أن تنقذها مما ورطتها فيه. وإياك والتردد، فإنه مدرجة النكبات. ولقد عهدتك صنع اللسان فإن لم ينفعك اليوم لسانك فلا والله لا نفعك. قلت: جزاك الله عني خيراً يا ابن أبي عتيق، ما ضرني كتماني دونك ما أكتم إلا اليوم، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. ويلي من نفسي ثم ويلي منها! واعلم أنه ما يكربني أن يلقاني من أحتال له وأصرفه، وإنما يكربني أمر الثريا وهي تقضي الساعات قد ألقى الهم في دمها ناره وفي فكرها ظلمته، ولا والله ما أستطيع أن أحتال لرسول يلم بها فيقول لها بعض ما تسكن إليه

قال ابن أبي عتيق: فهلا حدثتني عنها يا عمر؟ فلقد صحبتك ما صحبتك وما أدري من خبر الثريا وأمرها إلا ما أتسقطه من حديث الناس. قلت: وما تبغي إلى ذلك؟ أما كفاك ما تعرف من أمر سائرهن. وإني لأراك كالمهوم الذي لا يشبع؛ فلو كنت مثلي لقلت عسى أن تكون لك في نفسك حاجة، ولكن الله عافاك مما ابتلاني به، فدع عنك الثريا وأخبارها. فورب السموات والأرض وما فيهن ما أمنت على سرها نفسي، فكيف بي إذا بحت لك؟ قال: إذن فصفها لي كيف تراها؟ قلت: أما إنك على ذلك، لشديد الحرص شديد الطمع. وما تبغي إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>