للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمة خيراً مما ولدت أمه!

ثم صرف الحارث وجهه إلى ابن أبي عتيق وهو يبتسم له وقال: أما زلت يا ابن أبي عتيق بحيث قال صاحبك فيما بلغني من شعره إذ يقول لك؟

لا تلمني عتيقُ حسبي الذي بي ... إنّ بي يا عتيق ما قد كفاني

إنَّ بي داخلاً من الحب قد أب ... لى عظامي مكنونُه وبراني

لا تلمني وأنت زيَّنتها لي ... أنت مثل الشيطان للإنسان

فقال ابن أبي عتيق: هديت الخير، فوالله إن أخاك لشاعر يقذف بباطله، ولقد وقعت في لسانه ولقيت من دواهيه. ثم نظر إلي الحارث وقال: أما وقد لقيتك بخير يا عمر، فإني منصرف إلى وجهي، وبالله إلا ما تقدمت إلى أهل بيتك أن يعدوا لي المنزل الذي نزلته بالأمس حتى أعود، وإني أرى الريحان قد ذبل فمرهم أن يستبدلوا به، وأن يطيبوا الفراش ويجمروه. وقل لطائف الليل أن لا يلم بنا؛ فلسنا من حاجته ولا هو من حاجتنا. فما تمالكت أن قلت له: ويحك! أفهو أنت؟ قال: أجل هو أنا أيها الفاسق! قلت: إذن فوالله لا تمسك النار أبداً وقد ألقت نفسها عليك وقبلتك. فقام مغضباً يفور وقال: أعزب، عليك وعليها لعنة الله!

وانطلق الحارث واستفقت من غشية الحب وما نزل بي من الغم لما فاتني من الثريا وقال ابن أبي عتيق: قد والله أسأت فما تراني كنت أحدثك من جوف الليل أنهاك أن تجزع لبغتة إن جاءتك، فوالله لشد ما جزعت وخانتك نفسك وأرداك لسانك! ولبئسما استقبلت به أخاك! ولقد كنت أقول لك إن التردد مدرجة النكبات فإذا جرأة لسانك مدرجة إلى كل بلاء، وإلا والله لا تفلح أبداً أيها الرجل

فلقد اضطرب علي أمري حتى ما أدري ما أقول، ثم سكنت نفسي وقلت له: أفرخ روعك يا ابن أبي عتيق، ولتعلمن اليوم دهاء عمر، فأرسل في طلب ابنتي (أمة الوهاب) والحق أنت الحارث فرده علي. وانطلق ابن أبي عتيق، ولم ألبث حتى جاءتني أمة الوهاب فقلت لها: يا بنية! أشعرت أن عمك الحارث قد نزل بنا الليلة؟ قالت: كلا يا أبه! قلت إذن فانطلقي إلى هذه الغرفة التي إلى جواري وتباكي وانتحبي ما استطعت حتى أنهاك. ففعلت، وجاء الحارث وابن أبي عتيق فقلت له: جعلت فداءك! مالك ولأمة الوهاب ابنتك؟ أتتك مسلمة عليك فلعنتها وزجرتها وتهددتها، وها هي تيك باكية فقال: وإنها لهي! قال: ومن

<<  <  ج:
ص:  >  >>