للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنا الذي قدَّسْت أحزانه ... الشاعر الباكي شقاء البشر

فجرَّت بالرحمة ألحانه ... فاملأ بها يا رب قلب القدر

ولو تفضل القارئ فرجع إلى بقية المنظومة في (الملاح التائه) لاطمأن على هذا الفؤاد الحيران، ولعرف أن حبة قبس من الإيمان، فإن لم يجد مصداق ذلك فليقرأ حلم ليلة الهجرة، وعام جديد، وعيد ميلاد، ليشهد كيف تصدق شاعرية علي محمود طه في كل ما تتغنى به من فصول تلك الحياة. إن ميزة شاعريته الصدق في كل ما تقول، فهي كالروح الذي يتدفق في الجسم الحي، وهي لا تتدفق حكمة كما كانت تتدفق شاعرية المتنبي، ولا فلسفة وتشاؤماً كشاعرية أبي العلاء والخيام ولا وصفاً للطبيعة واندماجاً فيها كشاعرية ذي الرمة مثلاً لكنها تتدفق غناء كشاعرية البحتري. ولقد عددنا بعض منظومات علي محمود طه الغنائية الرائعة، ونرجو ألا يحكم أحد علينا بالمغالاة قبل أن يرجع إلى دواوين الشاعر ليراجع هذا المنظومات البديعة، وليجيل فكره في هذا الذي نقوله، ليره بعد ذلك أننا غير غالين ولا مبالغين في شاعرية علي محمود طه التي تترقرق سحراً كما غناء. . . حتى في منظومات الألم والأسى. . . أجل. . . إنها تترقرق سحراً وغناء حتى منظومات الألم والأسى. . ومن ذا الذي يقرأ منظومته (الموسيقية العمياء في ليالي الملاح التائة، ولا يسمع إلى ألحان الأنين المكبو يخفق بها قلبه كما تضج بها روحه؟ اسمع أيها القارئ:

إذا ما طاف بالأرض ... شعاع الكوكب الفضي

إذا ما أنّت الريحُ ... وجاش البرق بالومض

إذا ما فتح الفجر ... عيون النرجس الغضّ

بكيت لزهرة تبكي ... بدمع غير مرقض

أقرأها يا صديقي القارئ الشاعر في ليالي الملاح التائه، واقرأ الأغنيات التي أومأت إليها لتصدق أن الغناء هو الظاهرة العامة في شعر علي محمود طه، ولتصدق أن علي محمود طه أصبح أغنية في فم الجيل الجديد، وأن شعره أصبح أنشودة من أناشيد مصر الحديثة. . .

(يتبع)

دريني خشبة

<<  <  ج:
ص:  >  >>