للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقنعون بمكان المترجم، الذي ليس هو بالقارئ المستريح، ولا المنتج النابغة، لكنه صلة بين الرجلين: لا حظ له من راحة الأول، ولا حظ له من مجد الثاني، وإنما هو خادم مخلص أمين؛ يرفع القارئ إلى حيث يذوق جمال الفن وجلاله، وحين يشق لآثار النابهين من الأدباء والفلاسفة طرقاً جديدة. . . هذه منزلة المترجم يراها الناس يسيرة، وأراها عظيمة جليلة الخطر. وحسبك أنها هي التي تحقق الصلة القوية بين الأجيال والشعوب. فتزيل ما بينهم من الفروق وتدني بعضهم إلى بعض).

هكذا أنصف الأستاذ طه حسين المترجم؛ وردّ إليه شيئاً من حقه المضيع. ويحق للمترجمين أن يغتبطوا بأن قد صدر لصالحهم في هذا الأسبوعِ حكم آخر من ناحية لم يكونوا يتوقعون منها كل هذا العطف. وألذ النعماء ما جاءك من حيث لا تحتسب. ذلك أن القضاء المصري قد قضى في هذا الأسبوع - ولا راد لما قضى - بحكم لعله أكبر غنم يستطيع المترجم أن يظفر به. وهانحن أولاء نثبت هذا الحكم هاهنا بنصه وفصه:

(إن ما يلاقيه المترجم من صعوبة وعناء النقل من لغة إلى لغة، وإصلاح في عباراتها يستلزم كداً وعلماً معاً؛ حتى لقد يفضل المترجم أن يكون صاحب تأليف، أو أن يصرف وقته في التأليف بدل أن يصرفه في الترجمة والنقل، لأنه في التأليف مطلق، ما يريد من المعاني، ويضيف ما يريد من الألفاظ، ويقدم ويؤخر، ويحذف ويثبت على حسب ما يرى. أما في الترجمة فنجده مقيداً بما ينقل من نظام وترتيب، واثبات وتقييد. ولابد له من أن يدرك المعنى إدراكاً واضحاً، يلبسه زيه من الألفاظ والجمل في اللغة التي ينقل إليها، كما يكون أميناً في نقله، صادقاً في ترجمته. ولا يكون أهلاً لذلك إلا إذا ملك ناصية اللغتين، وعرف فيهما الشارد والوارد، وأدرك دقائق كل منهما: من معان خفية، وأسرار في التراكيب. وأن تكون نفسه قد مرنت على هذه الصناعة، ووقف على أسرارها، واتخذ له طريقة واضحة فيها. وإن كثيراً ما تزل أقلام المترجم الأمين، الذي يريد أن ينقل من قلب الشاعر كما يقولون، فناهيك بما يلاقي من تعب وكد في معرفة غرض الكاتب، فيلتجئ إلى معاجم اللغة؛ يقلب صفحاتها ويرجع إلى عبارات كبار الكتاب وأساليبهم، لعله يصل إلى معرفة مثل هذا التعبير، أو ما يقرب منه، أو يعثر على شرح له في كتب الأدب. ولقد يقطع المترجم أياماً في البحث عن كلمة واحدة!. . . وإنَّ هناك في الترجمة عقبات منشؤها

<<  <  ج:
ص:  >  >>