للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الآية؟ إنه لا يفهمهما رغم تحمسه لأولهما، وإلا ما افترض أن الإنصاف يقضي بالاعتراف بأن ثاني الجزءين دون الأول؛ بهتاناً يلقيه بغير دليل. إنه يرمي الكلام جزافا، وإلا ما قال إن المعنى الأول بكر لا يجرى إلا على ألسنة الحكماء والأنبياء والثاني غير بكر، مع أنه هو الذي لا يمكن أن يجري إلا بوحي على ألسنة الأنبياء

ثم إن الرجل يكذب حين يزعم لك أنه أورد الآية كاملة. فهو لم يورد إلا نحو ثلث الآية، على جلال ما أورد. فالآية هي من سورة المائدة: (يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط، ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا، هو أقرب للتقوى، واتقوا الله، إن الله خبير بما تعملون)

بقى شاهد من عدة شواهد لا يتسع لها المقال: (ثم لننظر قوله جل ثناؤه: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين) هذه من غرر الآيات القرآنية فأين يقع منها الحسن؟ أترونه في اللفظ؟ أترونه في الأسلوب؟ وكيف وهي ألفاظ يجدها من يريد، في أسلوب واضح يدركه جميع المخاطبين ويستطيعه جميع الكاتبين؟ إن الجمال هنا في الروح العالي، حيث يخاطب الله الآثمين وقد ألقى بهم في نار الجحيم). ولو كانوا في نار الجحيم لجاز أن يشغلهم العذاب عن سماع الخطاب، ولكنهم في موقف الحساب قبل أن يحكم عليهم بالنار، وشتان بين وقعي الكلام في المقامين. ولكن صاحب النثر الفني لا يدرك من دقيق الإعجاز ولا جليله شيئاً، لا في المعنى ولا في الأسلوب، ولا في مقتضى الحال. فسيان منه الإنكار والإقرار. فإقراره - لو أقر - إقرار مخطئ، وإنكاره إنكار مغرور

محمد أحمد الغمراوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>