للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلت ذلك، يا صديقي، إرضاء لطبيعتك الهادئة، ونحيزتك التي تأبى الخصومة، لا اندفاعاً مع غرض أنزهك عنه. وكم أتمنى أن يحزبك الغرض النبيل فتسمع قراء الرسالة غضبه كتلك التي أطلقتك على سجيتك يوم كتبت (فلاحون وأمراء)، فعرفوا فيك منها، كيف يكون الكفاح الحق عن الحرية، وكيف تكون تنقية الطبقات وتمييز البر منها من الزوان، وكيف تكون صولات النقد في حلبة الخصومة، ولا فرق عندي بين النقد الاجتماعي والنقد الأدبي إلا في الصيغة

إذن لا محيد لنا يا صديقي في كل بناء للحياة، من خصومة هادئة كانت أم صاخبة، لا تبلغ في حال من الأحوال حدود العداوة. أقول لا محيص لنا من خصومة تكون الرسالة منبرها العام، وتكون أهدافها كتابها ومن يتصل بهم وبها من العاملين في حلبة الحياة

يريدنا صديقنا ناقد الرسالة، تمشياً مع خطة الرسالة المستمدة من طبيعة صاحبها أن يتخذ من اللين أداة يستحث بها الشعراء على شحذ قرائحهم، وجلاء بصائرهم، وصقل شعورهم وأحاسيسهم ليرسموا بأقلامهم صوراً واضحة الخطوط والمعالم لطبيعة ما يصورون ويرسمون. فإذا ما أنف أستاذ كبير كالأستاذ (ا. ع) وتأفف من سماع أصوات هؤلاء الشعراء قيل له إنك تجرد عليهم (حملة تأديبية) وإذا ما قلت لصديقي ناقد الرسالة، إننا في حاجة إلى القذف بطائفة من شعراء الشباب إلى النار، نار النقد تنقيهم وتطهرهم، وإلى (تجريدة) تأديبية نشنها على النقاد، وقفت أنت يا صاحب الرسالة تصد عنهم الهجمات شفقة بهم ورثاء لحالهم بسلاح قاطع من اللطف والذوق والروح الإنساني النبيل

وبعد هذا، أزعم أن الفرق بيني وبين ناقد الرسالة، وبيني وبينك يا صاحب الرسالة يتلخص في أن القسوة في النقد - في اعتقادي - أجدى وأنفع للشاعر الناشئ وللشاعر الذي أدركته الكهولة ولم ينضج بعد، لأن الصراحة في النقد - في اعتقادي أيضاً - هي الحد الفاصل بين الإقدام على الحياة بروح المتوثب المتحدي، وبين الإحجام عنها. أما أنت يا صديقي وناقد الرسالة أيضاً تريان عكس رأيي في القسوة في النقد وصراحته، وبذلك يتوهم المهازيل من شعراء الشباب أنهم عباقرة سبقوا جيلهم، وأن الواحد منهم هو إله الشعر وحده وسواه العدم وهذه هي الطامة الكبرى.

حبيب الزحلاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>