للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عندما كانت السلطة في يد الجيرونديين عهد إلى السيد رولان بوزارة الداخلية، فكانت زوجته هي التي تحضر أوراقه الرسمية، وأصبحت بعد أن كانت تحرر إلى أصدقائها أمثال صوفي وهنريت تراسل البابا والملك برسائل يستعين بها المؤرخ الذي يكتب عن هذا الفصل من تاريخ فرنسا، ولو كانت مدام رولان رجلا أو لو سمح للمرأة في ذلك الوقت بلعب دور صريح على مسرح الحياة العامة لاختلف تاريخ الثورة الفرنسية عما هو عليه الآن.

وقد انتقلت مدام رولان من مسكنها المتواضع إلى الدار الفخمة التي كان يقطنها الوزير الخطير نكر، ووافقتها حياتها الجديدة كل الموافقة، إلا أنها لم تؤثر في خلقها السامي وطبيعتها البسيطة. وكانت تمد السماط للوزراء جميعاً مرة كل يوم جمعة، فإذا انصرفوا خلعت عنها ملابسها الرسمية، وانكبت على مكتبها تعمل بجد ونشاط فائقين.

وتمتاز من الجميع بهدوئها الظاهر، يكفي من جانبها كلمة هادئة تلقيها لتقضي بها على الاختلاف الحاد في الآراء، وغالباً ما أرسلت شعاعاً منيراً يستضيء به القوم في نقاشهم فتحلُ العقد وتفك الطلاسم.

وكثيراً ما دعاها المجلس الوطني ليمطرها أعضاؤه وابلا من الأسئلة كانت تجيب عليها جميعاً في اعتدال ووضوح وصراحة غير هيابة ولا وجلة، ولم تخف قط على حياتها، إنما كان إشفاقها دائماً على وطنها، وقد رأت بنظرها الثاقب وعقلها الفطن الناضج أنه ليس بين الجيرونديين رجل واحد يمكن أن يعهد إليه بأمر البلاد، وأنه لا يوجد بين اليعاقبة المتطرفين اثنان يمكن أن يثق أحدهما بزميله.

وسرعان ما تحقق تشاؤمها عندما تمكن اليعاقبة بقيادة مارا ودانتون وروبسبير من إسقاط الجيرونديين، وأدانوا أسرة رولان فيمن أدين من المعتدلين، فهرب رولان وقبض على زوجه، ثم أخلى سبيلها ليقبض عليها مرة أخرى بعد ساعة من إخلاء سبيلها ألقيت في أعماق السجون متهمة بأشنع التهم وأسفلها، ولكنها في السجن كما هو الحال في أي مكان آخر استطاعت أن تغزو القلوب، وصار حراسها طوع إرادتها ورهن إشارتها. ويشير صديق لها اعتاد زيارتها في سجنها (بأنها كانت تحدثه في شجاعة الرجل العظيم بصوت عذب كالموسيقى) إلا أنها كانت تخلو بنفسها تستند إلى النافذة وتمضي الساعات الطوال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>