للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

منها أن تقول: والله ما سألت فلاناً في (حاجة) قط والحاجة ضرب من الشجر له شوك، وما (رأيته) أي ما ضربت رئته ولا (كلمته) أي جرحته. . . وتقول ما أنا بصاحب (بكر) وهو ضرب من النبت، ولا أخذت لفلان (فروة) وهي جلدة الرأس، ولا كشفت لفلانة (قناعاً) ولا عرفت لها (وجهاً) فالقناع الطبق والوجه القصد. . . وتقول (ما لعبت) أي ما سال لعابي وما (جلست) من قولهم جلس فلان إذا دخل الجلس وهو نجد وما والاه، وما عرفت لفلانة (بعلا) وهو النخل يشرب ماء السماء، ولا (زوجاً) وهو النمط يطرح على الهودج. . . الخ

فتيا فقيه العرب

من ضروب الألغاز ما وضعه الرواة قديماً تحت عنوان (فتيا فقيه العرب) بقصد المحاجاة والمعاياة. وقد نقل السيوطي عن التبريزي في تهذيبه أن فقيه العرب هو الحارث بن كلدة. لكن المشهور من لقب الحارث أنه حكيم العرب أو طبيبها، ولم يشهر بين القوم باسم الفقيه. على أن السيوطي يوضح هذه الشبهة فيقول: أطلق على طبيب العرب لاشتراكهما في الوصف بالفهم والمعرفة. . .

والحارث بن كلدة ثقفي من الطائف حذق الطب في بلاد فارس ونال هنالك الشهرة البالغة، ثم رجع إلى الحجاز. وكانت وفاته في أوائل عهد الرسول عليه الصلوات ولم يثبت إسلامه، وإن كان من الثابت أن النبي استشاره غير مرة، وكان يأمر أصحابه باستشارته. ولم يجزم أحد بنسبة هذه الفتاوى إلى الحارث، وإنما يبدو أن شهرته، وما أثر عنه من الفطنة وجودة الطبع هو ما جر إلى إدراج اسمه في هذا المقام. ثم أصبح فقيه العرب فيما بعد شخصاً خيالياً تسند إليه كل فتوى دقيقة أو جواب لغز بارع. يقول السيوطي في وصف ما تطورت إليه التسمية: ليس مراد ابن خالويه والحريري بفقيه العرب شخصاً معيناً؛ إنما هم يذكرون ألغازاً وملحاً ينسبونها إليه، وهو مجهول لا يعرف ونكرة لا تتعرف. . .

ومن الجلي أن هذا النوع من الألغاز مقصود به التعجيز وإظهار البراعة في عمق التفكير ودقة العبارة. وأكثر من فتن به الفقهاء في مجالسهم وحلقات دروسهم وتناظرهم. . . فمن ذلك قولهم إن فقيه العرب أفتى بجواز السجود على الخد أن كان ظاهراً (والخد هنا بمعنى الطريق). وسئل فقيه العرب عن الوضوء من الإناء المعوج فقال: (إن أصاب الماء تعويجه لم يجز، وإلا جاز) والمراد بالمعوج المضبب بالعاج

<<  <  ج:
ص:  >  >>