للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تنتهي من القصيدة، التي قد تبلغ المائة من الأبيات - وما ظفرت منها بهدف أو عرفت بين أفكارها نسباً

أما قصيدتنا فهي إلى القديم أقرب من هذه الناحية، تفهم من عنوانها (أين الطريق) ما في نفس الشاعر من حيرة. يبدؤها بيأس من الحياة جره عليه احترافه الأدب، ثم يمضي في وصف هذا اليأس وكيف أدرك قيمة الحياة فنفض منها كفه ومات شعوره فما يحس فرحا أو حزناً، ثم يخاطب أمه وأباه فيشكو إليهما أساه وحاله اليائسة، ويتساءل أذلك من غضبهما عليه أم لكثرة ذنوبه؟ ويذكره ذلك بأيام الصبا في كنفهما فيتحسر على تلك الأيام الذواهب، كما كان يتحسر عليها الأقدمون من الشعراء، ثم يذكر همته التي طمحت إلى المجد فكبا دونه سالكا في ذلك سبيل الاستعارة، فإذا المجد جبل مرهوب المغاور أملى الشباب عليه أن يرقاه ولا زاد له إلا الأعصاب والفصحى فتمزقت كفه ودميت قدماه، ولكن لا عجب فقد تكشفت له محنة الأكفياء ونكبة الأدباء في هذا البلد العجيب

- ٢ -

ولو أنك نظرت إلى هذه المعاني التي طرقها الشاعر لم تجد فيها شيئاً جديداً يمكن أن نعده من سمات الشعر الجديد إلا انتحاءها ناحية اليأس المرير يطالعك في مطلع القصيدة ويصاحبك في كل بيت من أبياتها حتى تأتي على آخرها

عافى الله الأستاذ حبيب الزحلاوي إذ يقول (إن الشعر روح وإن الحياة الشعرية التي لا تفيض بالنعمة ولا تشيع السرور بالنفس والفرحة بالوجود ليست بحياة)

وأي أمل نرجوه في شعر يدعو إلى اليأس ويثبط الهمة ويجعل الدنيا ليلاً حالكا

لم يبلغ الأمل البعيد ... فمال لليأس القريب

أصبحت رسماً حافلاً ... باليأس والصمت الرهيب

هذه النغاصة التي تفيض على القصيدة من أولها إلى آخرها هي من أبرز سمات الشعر الجديد. كأن الشاعر لا يعرف قدره إلا أن شاع في شعره اليأس والحزن والأسى

نعم. . . لقد ردد القدماء بؤس الأديب وشقاء من أدركته (حرفة الأدب) ورأينا هذا المعنى كثيراً في شعر الخريمي وأبي تمام وأبي العلاء ولكننا لم نر منهم شاعراً يناقض شعره حياته ويقول غير ما يحس، لم نر منهم من كان في حياته راضياً وفي شعره ساخطاً كما

<<  <  ج:
ص:  >  >>