للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المعروفين بحسن اطلاعهم على الفلسفة الإسلامية خاصة، وكتابه: فلسفة الأخلاق في الإسلام وصلاتها بالفلسفة الإغريقية، هو من أمتع الكتب في موضوعه، وهو آية على اجتهاد الأستاذ وحسن فهمه لما يكتب. وكتابه الثالث: تاريخ الأخلاق آية ثالثة على مقدار ما ساهم به في التأليف الفلسفي في نهضتنا الفكرية الحديثة

(دخ)

يسمع الإنسان يتكلم في أقصى الأرض، ويعرف الأحداث التي تقع في أبعد الممالك أسرع مما كان القدماء يعرفون أحداث المدينة الواحدة

لقد طويت المسافات والأوقات، وتدانت الأبعاد والآماد. فما سعة الوطن العربي بحائلة دون اتصال أقطاره وتعارفها وتعاونها وتآخيها.

ولهذا الموطن الشاسع لغة وأدب وتاريخ وثقافة، كانت وما تزال على تطاول العصور، وتنائي الديار، واحدة أو كالواحدة. فأما اللغة فقد بقيت لغة القرآن شائعة في هذه الأقطار مسيطرة عليها، فنشأ ما نشأ من اللغات المحلية أو العامية، ودامت اللغة العربية ملتقى عقولهم وعواطفهم، وترجمان آمالهم وآلامهم، ووسيلة تفاهمهم وتعارفهم. فما يلتقي عربي بعربي مهما تباعدت ديارهما إلا ارتفعا قليلاً عن لغتيهما المحليتين إلى العربية الجامعة الواسعة فتحدثا بها، وتعارفا بما علمتهما العربية من قبل من تاريخ وأدب وما طبعتهما عليه من عواطف وآداب، وكأنهما أخوان فرقت بينهما الحادثات حيناً ثم اجتمعا.

وإذا تحدثا في التاريخ رجعا إلى أواصر جامعة، ومفاخر مشتركة فإذا ذكرا خليفة أو ملكا أو أديباً أو شاعراً أو كاتباً أو متكلما أو محدثاً أو مفسراً أو فقيهاً أو فيلسوفاً ذكرا رجالا ليس أحدهما أولى بهم من الآخر، وسمع كل من أخيه ما يعرفه أو ما يسره أن يعرفه من تاريخه، وإذا تحدثا في الحاضر فبينهما على العلات عواطف مولفة، وثقافة مقربة، اجتمع على تأليفها الماضي والحاضر. وكثيراً ما لقينا العرب من غير ديارنا في أوطان عربية وغير عربية فما تناكرت الوجوه، ولا تقاطعت الألسن، ولا تباعدت العواطف، ولا اختلفت المعارف إلا بمقدار ما تختلف معارف رجل عن أخيه في المملكة الواحدة والبلد الواحد

هذا ولم يعمل العرب اليوم لنشر ثقافتهم بينهم، وإشاعة أدبهم فيهم، والتقريب بين عقولهم وقلوبهم، وإنما هو ميراث التاريخ الذي لم تقو الخطوب على تفريقه، ورباط الماضي الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>