للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المغيرة ولي البصرة بعد عتبة بن غزوان، وكان عتبة يقرب أبا بكرة لما بينهما من صلة النسب، فلما ولى المغيرة بعده لم يجد في ولايته ما كان يجده قبلها، وكان المغيرة وأبو بكر متجاورين بينهما طريق، وكانا في مشربتين في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكر نفر يتحدثون في مشربته، فهبت الريح ففتحت باب الكوة، فقام أبو بكرة ليسده فبصر بالمغيرة وقد فتحت الريح باب كوة مشربته، وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر: قوموا فانظروا. فقاموا فنظروا. وهم زياد بن عبيد أخو أبي بكرة لأمه، ونافع بن كلدة، وشبل بن معبد البجلي، فقال أبو بكرة لهم: اشهدوا. قالوا: ومن هذه؟ قال: أم جميل بنت الأرقم من عامر بن صعصعة. وكانت تغشى المغيرة والأمراء، وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها، لأن النهضة الإسلامية في ذلك العصر كانت تشمل الرجال والنساء جميعاً، فلما قامت أم جميل من تحت المغيرة عرفوها، واتفقوا على أن يشهدوا عليه عند عمر.

فلما خرج المغيرة إلى الصلاة منعه أبو بكرة، وكتب إلى عمر بما حصل منه، فعزله عن البصرة وبعث أبا موسى الأشعري أميراً عليها، وأمره بلزوم السنة، فقال له: أعنى بعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم في هذه الأمة كالملح. فقال عمر له خذ من أحببت، فأخذ معه تسعة وعشرين رجلاً، منهم أنس مالك، وعمران بن حصين، وهشام بن عامر وخرج معهم فقدم البصرة ومعه كتاب عمر بإمارته، فدفعه إلى المغيرة فقرأه، وكان أوجز كتاب وأبلغه

أما بعد - فإنه بلغني نبأ عظيم. فبعثت أبا موسى أميراً فسلم إليه ما في يدك، والعجل

فسلم المغيرة ما في يده إلى أبى موسى، وأهدى إليه وليدة تسمى عقيلة، ثم رحل إلى المدينة ومعه أبو بكرة والشهود، فقدموا على عمر، وحضروا مجلس القضاء بين يديه، فلما فتح باب التحقيق معهم قال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد: كيف رأوني؟ أمستقبلهم أم مستدبرهم؟ وكيف رأوا المرأة أو عرفوها؟ فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر؟ أو مستدبرى فبأي شئ استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي؟ والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت تشبهها

فشهد أبو بكرة أنه رآه على أم جميل يدخله كالميل في المكحلة، وأنه رآهما مستدبرين، وشهد شبل ونافع مثل شهادة أبي بكرة، ولما جاءت شهادة زياد قال عمر: أرى رجلاً أرجو

<<  <  ج:
ص:  >  >>