للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا الطعن الشديد الذي لقبه مذهب وحدة الوجود، فقد استمر الفلاسفة والمفكرون ينظرون إلى وحدة الوجود على أنها أعلى صورة من صور (الواحدية) وذهب نفر منهم إلى حد أبعد. فأعلن (أن وحدة الوجود هي النظرية الكونية الوحيدة التي لابد أن يأخذ بها العالم المحدث)

بيد أن ثمة فريقاً آخر من الفلاسفة قد نظر إلى (وحدة الوجود)، على أنها تتضمن إنكاراً لوجود الله، فذهب شوبنهور - مثلاً - إلى أن (مذهب وحدة الوجود ليس إلا صورة مهذبة لمذهب الإلحاد، لأن حقيقة مذهب وحدة الوجود تنحصر في أنه يهدم التعارض الثنائي الموجود بين الله والكون، وأنه يقرر أن الكون موجود بفضل قواه الباطنة الخاصة به. فالمبدأ الذي يقول به أصحاب وحدة الوجود من أن الله والكون شئ واحد، إنما هو وسيلة مهذبة للاستغناء عن الله، أو تعطيل عمله). وعلى الرغم من هذا النقد، فإن مذهب وحدة الوجود يعتبر من أمعن المذاهب الفلسفية توحيداً وتنزيهاً. وليس من الصحيح ما يقوله شوبنهور من أن هذا المذهب يتضمن إنكاراً لوجود الله، بل الصحيح أنه يتضمن إنكاراً لوجود العالم وحسبنا أن نرجع إلى كتاب (فصوص الحكم) لابن عربي، حتى نتحقق من صحة هذا الحكم، فإن هذا المفكر الإسلامي قد انتهى إلى القول بأن (العالم متوهم ماله وجود حقيقي)، لأنه ليس ثمة غير حقيقة واحدة لا تتكثر ولا تتغير، وهذه الحقيقة الواحدة هي الله أو (الحق)؛ وهو قد أظهرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب، على أن الله هو عين الوجود (فما ثم إلا الله الواجب الوجود، الواحد بذاته. . . منه وإليه يرجع الأمر كله)، فمن التعسف إذن أن نصف مذهب وحدة الوجود بأنه إفك ينطوي على كثير من الأراجيف (كما ذهب إلى ذلك أحد الكتاب في (الرسالة))، ومن قلة الإنصاف أن نحكم على الفلسفة، باسم الدين، حكما هذا قدره من الخطأ والمجازفة والتعسف

زكريا إبراهيم

ليسانسيه في الآداب والفلسفة

بدرجة الشرف الأولى

إلى الأستاذ محمد أحمد الغمراوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>