للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأمكن من نفسه حين زعم لنفسه الشجاعة والصراحة ونفاها عن غيره. وأي صراحة يدعي أو أي صراحة يبغي بعد الذي كان؟ لقد صار حناه رأينا فيه، وأنصفناه إذ لم نقتصر على الادعاء كما يفعل هو مع الناس، بل جئنا على الدعوى بالدليل لنمكنه من إبطال الدليل إن استطاع. واجهناه وجابهناه بالتهمة ودليلها وهو حي يرزق يستطيع أن يدفع عن نفسه: بالحق إن كان لديه، أو بالباطل كما يفعل الآن. ألا يقارن هذا بما فعل هو مع الشيخ مصطفى القاياتي رحمة الله؟ زعم في بعض ما كتب ما لم يكن ليجرؤ على زعمه لو كان الشيخ القاياتي حياً، وما ليس يصدقه فيه أحد، من أنه كان - أي زكي مبارك - وهو تلميذ يحضر لمصطفى القاياتي محاضراته وهو أستاذ! ثم لا يستحي زكي مبارك بعد هذا أن يحشر نفسه في عداد الصرحاء الأشراف!

هكذا أمكن زكي مبارك من نفسه، كما أمكن منها حين سمي ظهوري عليه بالحجة طغياناً، وحين علل هذا الطغيان بعلمي أن الرقابة تمنع نشر المجادلة الدينية! أما إنه الحق يطغي على الباطل ولؤمه، لا الحق يمنع من ظهوره الرقيب. ومع ذلك فما حاجة زكي مبارك إلى المجادلة مطلقاً إن كان رأيه في القرآن وإعجازه رأي المسلمين من لدن عصر النبي الكريم إلى اليوم؟ ما حاجته إلى المجادلة الدينية التي يمنع منها الرقيب، إن كان يمكنه التوفيق بين النصوص التي أوردناها عليه من كلامه وبين عقيدة المسلمين في القرآن؟ إن أحداً لا يعرف أن الرقابة تمنعه من تأويل كلامه إلى ما يطابق عقيدة المسلمين ويوافق إجماع علمائهم. أما الجدل الذي يراد به تبرير إنكار إعجاز القرآن أو إثبات أن القرآن من كلام البشر فنعم منع الرقابة منه، ونعم عقاب القانون عليه. فهل هذا هو الجدل الذي كان يريد زكي مبارك والذي لا يجد إليه السبيل؟ إذن فقد أراد أن يعتذر عن نفسه فاعترف عليها حين أراد أن يحتمي هذا الاحتماء بالرقيب

ومع ذلك فالمسألة بيننا هي رأي زكي مبارك في القرآن لا دليل زكي مبارك على ذلك الرأي. فإذا كانت الرقابة تمنعه من الجدال عن رأيه بالدليل فذلك شهادة منه ومن الرقابة أن رأيه ليس مما يجوز عنه الدفاع، كما لا يجوز الدفاع مثلاً عن رأي زاعم لو زعم أن مصر لا يحق لها الاستقلال

إن هذا الغبي الأحمق لا يستطيع لأن يفهم أنه ينال من نفسه أكبر النيل بدفاعه عنها هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>