للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على إنشاء المدارس وخزائن الكتب والإنفاق على دور العلم، كل هذا أشاع العلم في أرجاء البلاد، فشمل وعم، وكانت للمسلمين حضارة كاملة ومعارف شاملة، ومؤلفات سجلت كل ما أدركه العقل وعرفته الصناعة إلى تلك العصور. وكانت الجماعة تفي بحاجاتها من العلم وفاء طبيعياً فيكثر المحصلون في الفن على قدر حاجة الأمة إليهم أو على قدر الرغبة في المعرفة والكمال دون نظر إلى المناصب، فلم يعان الناس إذ ذاك ما يعاني أهل هذا العصر من كثرة المحصلين المبتغين الوظائف وقلة هذه الوظائف

ومن الأدلة على سعة المعارف الإسلامية وشمولها كتب التراجم. كتب المسلمون تراجم شتى بعضها عام كتاريخ ابن خلكان وذيوله وبعضها خاص بطبقة من الناس كتراجم الصحابة أو تراجم المفسرين والمحدثين والفقهاء والحفاظ والرواة والقراء والأدباء والشعراء والنحاة والنسابين والمعبّرين، والأولياء والصوفية وتراجم المتكلمين والفلاسفة والأطباء والمصورين الخ، وكثرت كذلك تواريخ المدن والأقطار ومن خرجت من العلماء كتاريخ بغداد ودمشق والقاهرة. وقد أثبت صاحب كشف الظنون نحو سبعين تاريخاً للمدن. وأكثر تاريخ المدن تاريخ العلماء من أبنائها، وحسبك تاريخ صقلية لابن القطاع الذي ترجم فيه لمائة وثلاثين شاعراً من جزيرة صقلية وحدها، وتاريخ الأندلس الأدبي لابن بسام الذي سماه (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة). وهو بحر زاخر بأخبار العلماء والأدباء

وحسبنا دلالة على سعة العلم ووفرة العلماء أن المقزي صاحب نفع الطيب ترجم للسان الدين بن الخطيب، ثم استطرد إلى ذكر شيوخه فملأ مجلدين كبيرين في أخبار الوزير وأساتذته.

وكذلك فعل في كتابه زهر الرياض في أخبار القاضي عياض.

ومطالع التاريخ يستطيع أن يأتي بالمثال بعد المثال، ويقيم الحجة إثر الحجة على ما كان لأسلافنا من سيرة مجيدة، وخطة رشيدة في طلب العلم ورعايته وإكرام العلماء وتشييد المدارس والخزائن، وهي سيرة لم يحدثنا التاريخ بمثلها في الحضارات الماضية، لقد فتحنا للناس أبواباً من النظر، وهديناهم سبلاً في المعرفة والنقد والتثبت. وأخذنا إلى ما عندنا تراث الماضين وأمانة القرون الأولى فما قصرنا في الاختراع والابتداع ولا فرطنا في حفظ الأمانة ورعايتها

<<  <  ج:
ص:  >  >>