للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولاشك أن موقعة كيرونيد التي حدثت سنة ٣٣٨ ق. م. بين فيليب المقدوني وجنده من جهة، وجيوش أثينا وطيبة من جهة أخرى، قد كانت من المواقع الفاصلة في تاريخ الإنسانية؛ فانتصار فيليب على ديموستين هو انتصار عالم على عالم آخر. مضى عالم المدن. . . عالم الحرية، وحل محله عالم الحكم المطلق والروح العالمية. وقتل فيليب سنة ٣٣٦ ق. م. وخلفه الإسكندر، وكان ما نعرفه من سيطرة هذا القائد العظيم على الشرق والغرب. ومات الإسكندر سنة ٣٢٤ ق. م. وهو يعد العدة لغزو شمال أفريقية وإسبانيا وبلاد الغال، ليعود إلى وطنه من الغرب بعد أن تركه من الشرق. وكان في اتخاذه من بابل عاصمة لملكه ما يرمز لفكرته في توحيد العالم والجمع بين الشرق والغرب

بعد موت الإسكندر تطاحن قواده على اقتسام إمبراطوريته العظيمة، وكانت عدة معارك وعدة تقسيمات إلى أن حدثت معركة ابسوس سنة ٣٠١ ق. م. فكان التقسيم النهائي. وليس يعنينا من تلك المدة المضطربة غير نتائجها النهائية، وقد تمخضت عن ثلاث ممالك كبيرة. مملكة أنتيجونوس بمقدونيا وبلاد اليونان، ومملكة سليكوس بسوريا، ومملكة بطليموس بمصر

أما مملكة أنتيجونس فما زال اليونان يناهضونها العداء وتناهضهم، حتى انتهى الأمر بوقوع بلاد اليونان بيد روما الناشئة؛ فأصبحت مقاطعة رومانية منذ سنة ١٤٦ ق. م. وإنه وإن تكن الثقافة الآثينية لم تخب دفعة واحدة، إلا أن مراكز الثقافة الأخرى أخذت تحتل مكانها، ونحن لا نجد بآثينا خلال القرن الرابع غير الفلسفة والكوميديا، وأما ما دون ذلك من مظاهر النشاط الروحي فقد ذوى. فالشعر الغنائي قد جفت ينابيعه حتى لم يعد يقصد لذاته، بل لمصاحب الموسيقى على نحو ما نرى في الأوبراكوميك الحديثة. والشعر الهجائي وشعر الوجدان لم يعودا غير عبث باطل أو سخرية مصطنعة وأما الملاحم فكان عهدها قد انقضى بحيث أنه عندما كتب أنتيماخوس ملحمته عن أساطير طيبة ومغامرات هرقل لم يهز شعره نفساً، لأنه شعر مصنوع علم الشاعر فيه أوضح من روحه، وكذلك الأمر في التراجيديا التي لم يعد لها وجود يذكر

لم يبق إذن بآثينا من فنون الأدب غير الكوميديا، فهي التي ترعرعت في ذلك الزمن، وقد انتهى بها الأمر إلى ما يسمى بالكوميديا الجديدة على يد فيليمون وميناندروس، وهي

<<  <  ج:
ص:  >  >>