للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تزج بخيالها إلى المرهوب من شيخوختها - وهي في حمى منها بفورة الشباب الحاضر - ومع ذلك تفزع وتضطرب فتلجأ إلى خيال الذكريات التي ستعتادها في الشيخوخة المرتقبة ذكريات الشباب التي (ستسري إلينا في المساء كأنها قبلة الصباح) فإذا هدأ روعها وتماسكت عادت تواجه (العجوز التي ستكونها) بالحقيقة الأليمة (إنما هو شباب واحد ونطوي من الحياة الضياء). شباب واحد والمرأة أحس ما تكون بوحدانية هذا الشباب!

وإننا لنمضي في تتبع هذه الخطرات النفسية في نفس هذه (الإنسانة) فلا نبلغ مداها , بأيسر ولا أوضح مما بلغته بألفاظها، فلا ضرورة إذن للشرح والبيان

هنا فيض إنساني من الخوالج والخواطر والأحاسيس، قلما تعثر فيها على (معنى) بارز، أو فكرة مبلورة، أو حكمة سائرة. ولكنك لا تخطئ فيها وجه الإنسان وانفعالاته وخطراته، تتماوج وتتداخل، وتضطرب وتختلج وتسمع فيها حركة الحياة وتلمح فيها ظلالها من وراء الألفاظ والتعبيرات

ذلك شعر. وشعر كله. وشعر يحسن أن نتأثره لا مقلدين ولكن مستفيدين. ففي نفوس الكثيرين من ينابيع طليقة، تحبسها الطرائق التقليدية للشعر العربي في التعبير. وإن كانت المسألة في صميمها أكبر من الألفاظ وأوسع من التعبير.

سيد قطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>